باب ما ينهى من السباب واللعن 1
بطاقات دعوية
عن أبى ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر؛ إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك".
أَتتِ الشَّريعةُ لِحفظِ الدِّينِ والنَّفسِ، والمالِ والعِرْضِ، والعَقلِ، وجعَلَتِ العُقوباتِ الدُّنيويَّةَ والأُخرويَّةَ على مَن حاولَ الإخلالَ بِشَيءٍ مِن هذه المقاصدِ، فاعتدَى على المالِ، أوِ النَّفسِ، أو غيرِ ذلك مِنَ المقاصدِ المحفوظةِ بِأصلِ الشَّريعةِ، ومِن هذه المقاصدِ حِفظُ أعراضِ المسلِمينَ عن السَّبِّ والشَّتمِ وسائِرِ الألفاظِ التي تتَّهِمُ المسلِمَ؛ ولذلك نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحديثِ أنْ يَرميَ الرَّجلُ أخاه، فيتَّهِمَه بِالفسقِ أوِ الكفرِ والخروجِ عن طاعةِ اللهِ تعالى، وتوعَّدَ مَن فعَلَ ذلِك بِأنَّه إنْ لم يكُنْ بِصاحبِه الَّذي رماهُ ما قالَ له مِن فِسقٍ أو كُفرٍ، ارتدَّ ذلك عليه، فكان هو الفاسقَ أو الكافرَ كما اتَّهم أخاه، وقيل: إنَّ المقولَ له إن كان كافرًا كُفْرًا شرعيًّا، فقد صدق القائِلُ، وذهب بها المقولُ له، وإن لم يكُنْ رجعَتْ للقائِلِ مَعَرَّةُ ذلك القَولِ وإثمُه.
وهذا يعني أنَّه إن كان المتَّهَمُ موصوفًا بذلك، فلا يرتدُّ شَيءٌ إلى المدَّعي؛ لكونِه صَدَق فيما قاله، فإن قَصَد بذلك تعييرَه وشُهرتَه بذلك وأذاه، حرَمُ عليه؛ لأنَّه مأمورٌ بسَتْرِه وتعليمِه، ومَوعِظَتِه بالحُسنى، فمهما أمكنه ذلك بالرِّفقِ حَرُم عليه فِعْلُه بالعُنفِ؛ لأنَّه قد يكونُ سَبَبًا لإغوائِه وإصرارِه على ذلك الفِعلِ، كما في طَبعِ كثيرٍ مِنَ النَّاسِ من الأَنَفةِ، لا سيَّما إن كان الآمِرُ دونَ المأمورِ في الدَّرَجةِ، فإن قَصَد نُصْحَه أو نُصْحَ غيرِه ببيانِ حالِه، جاز له ذلك.
وفي الحَديثِ: زَجرُ المسلِمِ عن أن يقولَ لأخيه المسلِمِ ما ليس فيه من صفاتِ الفُسوقِ والكُفرِ.