باب مثل المنفق والبخيل
بطاقات دعوية
حديث أبي هريرة، قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما؛ فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره؛ وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة بمكانها
قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول بإصبعه هكذا في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع
الصدقة التي يخرجها الإنسان من ماله في وجوه البر بعد القيام بحقوق النفس والعيال، بحيث لا يصير المتصدق محتاجا بعد صدقته إلى أحد، من أفضل الطاعات، وأجل القربات عند الله تعالى، ولها عواقب حميدة في الدنيا والآخرة، كما أن البخل والشح على الضد من ذلك؛ فعواقبه وخيمة في الدنيا والآخرة
وفي هذا الحديث يضرب لنا النبي صلى الله عليه وسلم مثلا للبخيل والمتصدق، حيث شبههما برجلين عليهما جبتان منسوجتان من الحديد، والجبة مثل العباءة، وهي ما يلبس فوق غيره من الثياب، ويكون هذا الثوب من ثديهما إلى تراقيهما، والترقوتان عظمان مشرفان في أعلى الصدر إلى جهة النحر، يقعان بين ثغرة النحر والعاتق، وهو إشارة إلى قصر الجبة على المتصدق والبخيل، فلا يعطي المنفق عطاء إلا سبغت عليه هذه الجبة، أي: اتسعت وطالت عليه أو «وفرت على جلده» وغطت جسده، «حتى تخفي بنانه»، يعني فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، والبنان: أطراف الأصابع، «وتعفو أثره»، أي: وتمحو خطواته التي يخطوها، وهذا بيان لشدة طولها على صاحبها. وأما البخيل فكلما رجع عن الصدقة وأمسك عن الإنفاق ضاقت عليه جبته حتى تلزق كل حلقة على جلده، يحاول أن يوسعها بيده وهي شديدة محكمة لا تتسع
والمراد: أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح لها صدره، وطابت نفسه، فتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه، فضاق صدره، وانقبضت يداه. وقيل: يريد أن المنفق إذا أنفق كفرت الصدقة ذنوبه ومحتها كما أن الجبة إذا سبغت عليه سترته ووقته، والبخيل لا تطاوعه نفسه على البذل، فيبقى غير مكفر عنه الآثام.
وفي الحديث: أن المتصدق كلما بسط يده بالخير، بسط الله عليه فضله، حتى يخلف عليه أضعاف ما ينفق
وفي الحديث: أن البخيل كلما قبض يده، ضيق الله عليه، وملأ قلبه خوفا من الفقر، ويأسا من الخلف