باب من احتلم ولم ير بللا
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا حماد بن خالد، عن العمري، عن عبيد الله، عن القاسم
عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فرأى بللا، ولم ير أنه احتلم اغتسل، وإذا رأى أنه قد احتلم ولم ير بللا، فلا غسل عليه" (1).
نُزُولُ المَنِيِّ يسبِّبُ الحدَثَ الأكبرَ الَّذِي يَلزَمُ الغُسلُ مِنْهُ، ومِن دَوَاعِي نُزولِ المَنِيِّ: احتِلامُ الرَّجُلِ فِي نَومِه،
وفي هذا الحديثِ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم سُئِلَ عن غُسلِ "الرَّجُلِ يَجِدُ البَلَلَ"، أي: يَجِدُ المَنِيَّ مبلِّلًا ثوبَه، "ولا يَذْكُرُ احتِلامًا"، أي: يرَى المَنِيَّ بَعْدَ استِيقاظِه مِن النَّومِ ولا يَذْكُرُ وقتَه أو حُلمًا تسبَّب فِي إنزالِه، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم: "يَغتَسِل"، أي: أنَّ الَّذِي رأَى المَنِيَّ عَلَيْهِ أن يَغتسِلَ، ثُمَّ سُئِلَ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم عن غُسلِ الرَّجُلِ الَّذِي "يرَى أَنَّهُ قد احتَلَم ولا يَجِدُ البَلَلَ"، أي: أنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا يَحتَلِمُ ويُخيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ أنزَلَ المَنِيَّ، فإذا استَيْقَظَ لم يَجِدْ بَلَلَ المَنِيِّ ولا يرَى لَهُ أثرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم: "لَا غُسلَ عَلَيْهِ"، أي: لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ حَتَّى يرَى المَنِيَّ.
فقالت أُمُّ سُلَيْمٍ رَضِيَ اللهُ عنها، وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما: "المَرْأَةُ ترَى ذَلِكَ"، أي: تَجِدُ بَلَلًا مِثْلَ الَّذِي يَجِدُ الرَّجُلُ "أَعَلَيْها غُسلٌ؟" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم لَهَا: "نَعَمْ"، أي: عَلَيْها غُسْلٌ، "إنَّما النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ"، أي: إنَّ النِّساءَ نظائِرُ وأمثالُ الرِّجالِ فِي الأحكامِ المُشتَرَكةِ بينهُما، وَهذا تعريضٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم بأنَّ المرأةَ مِثْلُ الرَّجُلِ فِي الاحتِلامِ ونُزولِ المَنِيِّ، ولكنْ هذا مَقامٌ لم يُصرَّحْ فِيهِ بألفاظِه الصَّرِيحَةِ، وَهذا حياءٌ مِنْهُ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّم، وَلأنَّ المرأةَ فَهِمتِ المقصودَ من القَدْرِ الذي أجابَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليها.