باب من جلل البدنة
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن الصباح، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى
عن علي بن أبي طالب، قال: أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقوم على بدنه، وأن أقسم جلالها وجلودها، وأن لا أعطي الجازر منها شيئا، وقال: "نحن نعطيه" (1)
الحجُّ هو الرُّكنُ الخامسُ مِن أركانِ الإسلامِ، وقد بيَّن رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَناسِكَ الحجِّ بأقوالِه وأفعالِه، ونَقَلَها لنا الصَّحابةُ الكِرامُ رَضيَ اللهُ عنهم كما تَعلَّموها منه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحَديثِ يروي علِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَه وهو في الحجِّ لِيَتولِّي أمْرَ البُدْنِ الَّتي جَعَلَها هَدْيًا في ذَبْحِها وتَفرِقتها على الفُقراءِ، وفي رِوايةٍ للبُخاريِّ: «أهْدى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِئةَ بَدَنةٍ»، وفي صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ جابرٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نحَرَ ثَلاثًا وسِتِّينَ بيَدِه، ثمَّ أعْطى علِيًّا، فنَحَرَ ما غَبَرَ-أي: ما بَقِيَ-، وأشْرَكَه في هَدْيِه إلى المنحَرِ»، والبُدْنُ: جمْعُ بَدَنةٍ، وهي بَهيمةُ الأنعامِ التي تُهْدى إلى البيتِ الحرامِ للتَّقرُّبِ بها إلى اللهِ تعالَى، وتكونُ مِن الإبلِ خاصَّةً، وقيل: البُدْنُ تُطلَقُ على الإبلِ والبقَرِ.
وأمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَقسِمَ لُحومَها في المساكِينِ فقَسَمَها، ثمَّ أمَرَه أنْ يَقسِمَ جِلالَها وجُلودَها فقَسَمَهما، والجِلالُ: ما تَلبَسُه الدَّابَّةُ مِن كِساءٍ وقِلادةٍ ونحْوِها؛ وذلك لئلَّا يَعودَ إليه منها شَيءٌ؛ لأنَّه أخْرَجَها للهِ. وكذلِك أمَرَه ألَّا يُعْطي الجَزَّارَ شَيئًا منها أجرةً على عَمَلِه فيها؛ فإعطاءُ الجَزَّارِ شَيئًا منها عِوَضًا مِن فِعلِه وذَبْحِه بَيعٌ، ولا يَجوزُ بَيعُ شَيءٍ مِن لَحْمِها، وأمَّا إعطاؤه صَدَقةً، أو هَديةً، أو زِيادةً على حقِّه؛ فلا حَرَجَ فيه.
وفي الحديثِ: التَّوكيلُ في القِيامِ على مَصالِحِ الهَديِ مِن ذَبْحِه وقِسْمة لَحمِه، وغيرِ ذلك.
وفيه: عدَمُ بَيعِ ما أُخرِجَ للهِ تعالَى ولو جُزء منه.