باب من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه2
سنن ابن ماجه
حدثنا علي بن محمد، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، قال:
سمعت سعدا وأبا بكرة، وكل واحد منهما يقول: سمعت أذناي ووعى قلبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام"
اهتَمَّ الإسلامُ بأمْرِ الأنسابِ، وأمَرَ بحِفظِها وصِيانتِها، وشرَّعَ مِن التَّشريعاتِ ما تُصانُ به مِن التَّداخُلِ، ومِن هذه التَّشريعاتِ تَحريمُ أنْ يَنتسِبَ المرْءُ لغَيرِ أبيهِ.
وفي هذا الحَديثِ حذَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَن نَسَب نفْسَه لغيْرِ أَبِيه الحقيقيِّ، واتَّخَذه أبًا رَغبةً عن أبيه، وهو يَعلَمُ أنَّه ليْس أباهُ؛ وقُيِّدَ بالعِلمِ؛ لأنَّ الإثمَ إنَّما يَترتَّبُ على العالِمِ بالشَّيءِ، المُتعمِّدِ له، فلا بدَّ منه في الحالَتَينِ إثْباتًا ونَفيًا، وقيلَ: أتى هذا الشَّرطُ؛ لأنَّ الأنْسابَ قدْ تَتَراخى فيها مُدَدُ الآباءِ والأجْدادِ، ويَتعذَّرُ العِلمُ بحَقيقتِها، وقد يقَعُ اخْتِلالٌ في النَّسبِ في الباطِنِ مِن جِهةِ النِّساءِ، ولا يَشعُرُ به. وهذا الفِعلُ الدَّنيءُ إنَّما يَفعَلُه أهلُ الجَفاءِ والجَهلِ والكِبرِ؛ لخِسَّةِ مَنصِبِ الأبِ ودَناءَتِه، فيَرى الانتِسابَ إليه عارًا ونَقصًا في حقٍّ، وأخبَر بأنَّ دُخولَ الجنَّةِ مُحرَّمٌ عليه.
وفي هذا الحديثِ قِصَّةٌ، كما عِند مُسلمٍ عن أبي عُثْمانَ النَّهديِّ، قال: لَمَّا ادُّعي زِيادٌ -أي: ادَّعاه معاويةُ- لقيتُ أبا بكْرةَ فقلْتُ: ما هذا الذي صَنعتُم؟! إنِّي سَمِعتُ سَعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ يقولُ، فذَكَر الحديثَ مَرْفوعًا؛ وإنَّما خَصَّ أبو عُثمَانَ أبا بَكْرَةَ بالإنكارِ؛ لأنَّ زِيَادًا كان أخاه مِن أُمِّه، وقدْ أَلْحَقَ زيادٌ نَسَبَه بأبي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، وكان أبو بَكْرَةَ يُنكِرُ هذا.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ والتَّحذيرُ مِن انْتِسابِ الإنْسانِ إلى غيرِ أبيه.
وفيه: أنَّ انْتِسابَ الإنْسانِ لقَومٍ لا يُوجَدُ نسَبٌ له فيهم سَببٌ مِن أسْبابِ العَذابِ والحِرمانِ مِنَ الجَنَّةِ.