باب من فضائل عمر رضي الله تعالى عنه
بطاقات دعوية
حديث سعد بن أبي وقاص، قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده نساء من قريش يكلمنه، ويسكثرنه، عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن ثم قال: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك
كان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس وأرفقهم بأمته، وكان يستمع إلى الصغير والكبير، والرجال والنساء، ويعلمهم أمور الدين
وفي هذا الحديث يخبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه، فيطلبن كثيرا من كلامه وجوابه بحوائجهن وفتاويهن، وكن يكلمنه بأصوات عالية، ويحتمل أن هذا قبل النهي عن رفع الصوت فوق صوته صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن علو أصواتهن إنما كان لاجتماعها، لا أن كلام كل واحدة بانفرادها أعلى من صوته صلى الله عليه وسلم
فاستأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الدخول على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النسوة يتسارعن إلى الاستتار -وليس المقصود هنا الحجاب الشرعي المفروض على المرأة، بل المقصود الاستتار- عن عمر رضي الله عنه، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعلهن ضحك، فقال له عمر رضي الله عنه: أضحك الله سنك يا رسول الله، وهو دعاء بملازمة الضحك والسرور، فقال صلى الله عليه وسلم: «عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب!»، يعني: كن يرفعن أصواتهن في الحديث معي، فلما أتيت أنت سارعوا إلى الاستتار؛ خشية منك، فقال عمر رضي الله عنه: «فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يهبن»، يعني: أولى بأن يخفن منك، ثم قال عمر لائما لهن: «أي عدوات أنفسهن، أتهبنني»، أي: أتوقرنني وتعظمنني، «ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم»، والفظ والغليظ بمعنى واحد، وهما عبارة عن شدة الخلق وخشونة الجانب، وكان صلى الله عليه وسلم حليما رؤوفا بهن وبعامة الأمة، وقول النساء: «أفظ وأغلظ» بصيغة أفعل التفضيل يقتضي الشركة في أصل الفعل، ويعارضه قوله تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159] الآية؛ فإنه يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن فظا ولا غليظا. والجواب: أن الذي في الآية يقتضي نفي وجود ذلك له صفة لازمة، فلا يستلزم ما في الحديث ذلك، بل مجرد وجود الصفة له في بعض الأحوال، وهو عند إنكار المنكر مثلا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجه أحدا بما يكره إلا في حق من حقوق الله، وكان عمر يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا، وطلب المندوبات، فلهذا قال النسوة له ذلك
ثم أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده» أي: بالله الذي روحه بيده يصرفها كيف يشاء، وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يقسم بهذا القسم، «ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك» فالشيطان يهرب من الطريق الذي يسلكه عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ خوفا منه، أو المعنى: أن عمر رضي الله عنه فارق سبيل الشيطان وسلك طريق السداد، فخالف كل ما يحبه الشيطان
وفي الحديث: فضل ومنقبة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
وفيه: أن الشيطان يخاف من المؤمن التقي
وفيه: أن الحاكم ينبغي له السماع لشكاية رعيته وإزالتها