باب من قال لا ربا إلا في النسيئة 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أحمد بن عبدة، أخبرنا حماد بن زيد، عن سليمان بن علي الربعي، عن أبي الجوزاء، قال:
سمعته يأمر بالصرف، يعني ابن عباس ويحدث ذلك عنه، ثم بلغني أنه رجع عن ذلك، فلقيته بمكة، فقلت: إنه بلغني أنك رجعت؟ قال: نعم، إنما كان ذلك رأيا مني، وهذا أبو سعيد يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الصرف (2).
لقدْ بَيَّنَ لنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَواعدَ البَيعِ والشِّراءِ؛ حتَّى لا نقَعَ في الرِّبا بأنواعِه، سواءٌ كان رِبَا الفَضلِ (الزِّيادة)، أو رِبَا النَّسيئةِ (التَّأجيل)، وفي هذا الحديثِ يقولُ أَبو الجَوْزاءِ- وهو أحدُ التَّابعينَ- عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "سمِعْتُه يأمُرُ بالصَّرْفِ- يعني: ابنُ عبَّاسٍ- " أي: بَيعِ الجِنْسِ بالجِنْسِ مُتفاضِلًا؛ كبَيعِ دِينارٍ بدِينارَينِ، ومُرادُ كلامِ ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه كان لا يرَى الرِّبا في بيعِ الجِنْسِ بالجِنْسِ بعضِه ببعضٍ مُتفاضِلًا، وأنَّ الرِّبا لا يحرُمُ في شيءٍ مِن الأشياءِ إلَّا إذا كان نَسيئةً، كما في الصَّحيحينِ أنَّه قال: "لم أسمَعْه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم أجِدْه في كتابِ اللهِ، ولكنْ حدَّثَني أُسامةُ بنُ زيدٍ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "الرِّبا في النَّسيئةِ"، قال أبو الجَوزاءِ: "ويُحَدَّثُ ذلك عنه"، أي: مِن فَتوى ابنِ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما، "ثم بَلَغَني أنَّه رجَعَ عن ذلك"، أي: رجَعَ عن تلك الفَتوى، وأنَّ الصَّرفَ كلَّه رِبًا، "فلَقِيتُه بمكَّةَ"، أي: قابَلَ ابنَ عبَّاسٍ في مكَّةَ، "فقلْتُ: إنَّه بَلَغني أنَّك رجَعْتَ؟"، أي: يتأكَّدُ مِن ابنِ عبَّاسٍ في رُجوعِه عن فَتواه تلك، قال ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: "نعم، إنَّما كان ذلك رأيًا مِنِّي، وهذا أبو سعيدٍ يُحدِّثُ عن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه نَهَى عنِ الصَّرْفِ"، أي: أنَّه رجَعَ عن فَتواه واجْتهادِه؛ لحديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الَّذي فيه النَّهيُ؛ فاتِّحادُ الجِنْسِ في الذَّهبِ والفِضَّةِ لا بُدَّ فيه مِن التَّماثُلِ والمُساواةِ في الوزنِ؛ حتَّى لا يقَعَ المُتبايعانِ في الرِّبا بالزِّيادةِ والفضْلِ، ولا يُنْظَرُ إلى الجَودةِ فيه.
وفي الحديثِ: وُقوعُ رِبَا الفضْلِ في الذَّهبِ والفِضَّةِ.
وفيه: حِرْصُ الصَّحابةِ على امثتالِ أوامرِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والابتعاد عن نواهيه، وإنْ تعارَضَ ذلك مع رَأيهِم.
وفيه: حِرْصُ التَّابعينَ على الاستوثاقِ في كلِّ ما بلَغَهم مِن حديثِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفتاوى أصحابِه رضِيَ اللهُ عنهم.