باب: من لعب به الشيطان في منامه فلا يحدث به الناس3
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن رمح، أخبرنا الليث بن سعد، عن أبي الزبير
عن جابر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا حلم أحدكم، فلا يخبر الناس بتلعب الشيطان به في المنام" (3)
انعَقَدتْ قُلوبُ المُؤمِنينَ على حُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَمَنَّتْ أعيُنُهم أنْ لو رأتِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي هذا الحديثِ يُبشِّرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن رآهُ في المَنامِ، أنَّ رُؤياه تلك صادِقةٌ ليْستْ بأضغاثِ أحلامٍ، ولا مِن تَشبيهاتِ الشَّيطانِ؛ وذلكَ لأنَّ الشَّيطانَ قَد حِيلَ بيْنَه وبيْنَ أنْ يَتمثَّلَ في صُورةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فمَن رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المنامِ فَقدْ رَآهُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حَقيقةً؛ وذلكَ إذا رَآه في صُورتِه الَّتي هي مَعروفةٌ عندَ أهلِ العِلمِ مِن أنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: رَبْعةٌ منَ الرِّجالِ، حَسنُ الصُّورةِ، أَبيضُ، مُشرَبٌ بِحُمرةٍ، كَثُّ اللِّحيةِ، سَوداءُ، وفي آخرِ حَياتِه حصَلَ فيها شَعَراتٌ قَليلةٌ منَ الشَّيبِ؛ فمَن رَآه على صَورَتِه الحقيقيَّةِ هذه فَقدْ رآه؛ فإنَّ الشَّيطانَ لا يَتمثَّلُ بصُورتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وهذا مِن حِفْظِ اللهِ لِنبيِّه حتَّى بعدَ مَوتِه.
ولا يَلزَمُ مِن ذلك أنْ يَكونَ الرَّائي مِنَ الصَّالِحينَ، ولا يَجوزُ أنْ يُعتَمَدَ عليها في شَيءٍ يُخالِفُ ما عُلِمَ مِنَ الشَّرعِ، بلْ يَجِبُ عَرضُ ما سَمِعَه الرَّائي مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أوامِرَ أو نَواهٍ أو خَبَرٍ أو غَيرِ ذلك مِنَ الأُمورِ الَّتي يَسمَعُها أو يَراها الرَّائي لِلرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الكِتابِ والسُّنَّةِ الصَّحيحةِ، فما وافَقَهما أو أحَدَهما قُبِلَ، وما خالَفَهما أو أحَدَهما تُرِكَ؛ لأنَّ اللهَ سُبحانَه قدْ أكمَلَ لِهذه الأُمَّةِ دِينَها، وأتَمَّ عليها النِّعمةَ قبْلَ وَفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فلا يَجوزُ أنْ يُقبَلَ مِن أحَدٍ مِنَ النَّاسِ ما يُخالِفُ ما عُلِمَ مِن شَرعِ اللهِ ودِينِه، سواءٌ كان ذلك مِن طَريقِ الرُّؤيا أو غَيرِها، وهذا مَحَلُّ إجماعٍ بيْنَ أهلِ العِلْمِ المُعتَدِّ بهم.
ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إذا حَلَمَ أحدُكم» والمرادُ به رُؤيةُ ما يَكرَهُه الإنسانُ في نَومِه، ومِن ذلك رُؤيا المُفزِعاتِ المَهولاتِ، فلا يُخبِرُ به أحدًا مِن النَّاسِ؛ لأنَّه مِن تَلعُّبِ الشَّيطانِ بِه في المنامِ؛ لِيُحزِنَه أو يُخيفَه أو يَشغَلَه، وحتَّى لا يُعلِّقَ نفْسَه بتَأويلِ هذه الرُّؤيا الشَّيطانيَّةِ؛ إذْ لا تَأويلَ لها؛ لأنَّها ممَّا يُلْقِيه الشَّيطانُ ويَقصِدُ بها التَّشويشَ على المؤمنِ إمَّا بتَحزينٍ، وإمَّا بتَرويعٍ، أو بما أشْبَهَ ذلكَ.
وفي الصَّحيحينِ: «فإذا رَأى أحَدُكم شَيئًا يَكرَهُه، فلْيَنْفُثْ عن يَسارِه ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ولْيَتَعوَّذْ باللهِ مِن شرِّها؛ فإنَّها لنْ تَضُرَّه»، فأرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن رَأى ما يَكرَهُ في مَنامِه؛ أنَّه إذا اسْتَيقظَ مِن ذلك الحُلْمِ -وخاصَّةً إذا كان استِيقاظُه على أثَرِه، أو كان الحُلْمُ هو السَّبَبَ في يَقَظتِه- فلْيَنْفُثْ عن جانِبِه الأَيسَرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، والنَّفْثُ: نَفْخٌ لَطيفٌ بلا رِيقٍ. وخَصَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جِهةَ اليَسارِ؛ لأنَّ الشَّيطانَ يَأْتي ابنَ آدَمَ مِن قِبَلِ اليَسارِ ليُوَسوِسَ له في قَلبِه، والقَلبُ في جِهةِ اليَسارِ، وفِعلُ ذلك كافٍ في دَفْعِ ذلك ومانعٌ مِن أنْ يَعودَ الشَّيطانُ لمِثلِ ذلك