‌‌باب من لم ير الجهر ب «بسم الله الرحمن الرحيم»

‌‌باب من لم ير الجهر ب «بسم الله الرحمن الرحيم»

حدثنا هناد بن السري، حدثنا ابن فضيل، عن المختار بن فلفل، قال: سمعت أنس بن مالك، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها»، قال: «هل تدرون ما الكوثر؟»، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «فإنه نهر وعدنيه ربي في الجنة»

الكوثر: نهر في الجنة، أعطاه الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ زيادة في إكرامه ولطفه به وبأمته، وهو متصل بالحوض الذي يسقى منه المؤمنون يوم القيامة
وفي الحديث يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ذات يوم بين أظهرهم، أي: حاضرا معهم في المسجد، كما في رواية أخرى، وأنه أغفى إغفاءة، وهي النوم الذي في العين، وهذه الحالة التي كان يوحى إليه صلى الله عليه وسلم فيها غالبا، ثم رفع رأسه متبسما، فسأله الصحابة عن سبب ذلك، فقال: «أنزلت علي آنفا» أي: حديثا وقريبا «سورة، فقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم)»، وقد استدل بهذا على أن البسملة في أوائل السور من القرآن، {إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر: 1-3]، وهذه السورة منة من الله على النبي صلى الله عليه وسلم بقطع سبيل المبغضين له، ومعنى الآيات: إنا آتيناك -أيها الرسول- الخير الكثير، ومنه نهر الكوثر في الجنة -وسمي بالكوثر لكثرة مائه وآنيته، وعظم بركته وخيره وقدره- ولذلك فأد -أيها الرسول- شكر الله على هذه النعمة؛ بأن تصلي له وحده وتذبح؛ خلافا لما يفعله المشركون من التقرب لأوثانهم بالذبح، إن مبغضك هو المنقطع عن كل خير، المنسي الذي إن ذكر ذكر بسوء
ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه: «أتدرون ما الكوثر؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم»، فأوكلوا العلم إلى الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: «فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل، عليه خير كثير»، فيشرب منه الواردون عليه ممن يصله فلا يظمأ أبدا، وهذا النهر له حوض تتجمع فيه مياه النهر ترد عليه أمة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وأوانيه التي تستخدم في الشرب كثيرة جدا، وهي في الكثرة مثل عدد النجوم، وعند ورود المسلمين عليه، يختلج العبد منهم، أي: يستخرج من وسط الواردين، وينتزع إلى ناحية بعيدة عن الحوض، ويذاد عنه ويطرد ويدفع، فيظهر هنا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، فيقول: «رب، إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدثت بعدك»، أي: إنك لا تعلم ما غيرت أمتك وبدلت من بعدك عما تركتهم عليه من الالتزام بأمر الله سبحانه وتعالى والانتهاء عما نهى عنه؛ فاللهم ارزقنا الثبات على دينك وسنة نبيك
وهؤلاء المذكورون إما أن يكونوا ممن ارتد عن الإسلام، فلا إشكال في تبرؤ النبي صلى الله عليه وسلم منهم وإبعادهم، أو ممن لم يرتد لكن أحدث معصية كبيرة، أو بدعة عظيمة، فيحتمل أن يكون أعرض عنهم، ولم يشفع لهم اتباعا لأمر الله فيهم؛ حتى يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته لأهل الكبائر من أمته، فيخرجون عند إخراج الموحدين من النار، وفي هذا تهديد شديد لكل من أحدث في الدين ما لا يرضاه الله بأن يكون من المطرودين عن الحوض، ومن أشد هؤلاء المحدثين في الدين: من خالف جماعة المسلمين، كالخوارج والروافض وأصحاب الأهواء، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر؛ فكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الحديث
وفي الحديث: النوم في المسجد، ونوم الإنسان بحضرة أصحابه