باب في صلاة القاعد
حدثنا محمد بن قدامة بن أعين، حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال يعني ابن يساف، عن أبي يحيى، عن عبد الله بن عمرو، قال: حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة»، فأتيته فوجدته يصلي جالسا، فوضعت يدي على رأسي، فقال: «ما لك يا عبد الله بن عمرو؟»، قلت: حدثت يا رسول الله أنك قلت: «صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة»، وأنت تصلي قاعدا، قال: «أجل، ولكني لست كأحد منكم»
الصلاة عماد الدين، وإقامتها واجبة على كل مسلم، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة وعلمها للأمة
وفي هذا الحديث يروي عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن صلاة الرجل قاعدا «نصف الصلاة»، أي: فيها نصف ثواب أجر من صلاها قائما؛ فيتضمن صحتها ونقصان أجرها. وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام، وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام، فلا ينقص ثوابه، بل يكون كثوابه قائما، وأما الفرض فإن الصلاة قاعدا مع قدرته على القيام، لا تصح؛ فإن عجز كان قعوده بمنزلة القيام
ثم أخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه جاء مرة، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم يصلي جالسا، فوضع يده على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، متعجبا من صلاته جالسا، وطالبا أن ينظر صلى الله عليه وسلم إليه، وكان ذلك بعد فراغه صلى الله عليه وسلم من صلاته؛ إذ لا يظن بعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه يضع يده قبل ذلك، ولا يعد هذا الفعل من سوء الأدب عند بعض العرب؛ لأنهم غير متكلفين في تصرفاتهم، كما أن هذا يدل على عظيم تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن أخلاقه، وأنه كان مع خاصة أصحابه فيما يرجع إلى المعاشرة والمخالطة كواحد منهم، ولا يترفع عنهم، فلما أحس النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الله، سأله: «ما لك؟»، أي: ما شأنك وما عرض لك؟! فأخبره بالحديث السابق، وهذا منه استفسار، وليس اعتراضا وإنكارا، وقوله: «وأنت تصلي قاعدا» تأكيد على ما أشكل عنده، وكيف أن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يرضى لنفسه بنصف الأجر، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث، ثم قال: «ولكني لست كأحد منكم»، أي: ذلك الذي ذكرت من أن صلاة الرجل قاعدا على نصف صلاته قائما هو حكم غيري من الأمة؛ فهو مختص بهم، وأما أنا فخارج عن هذا الحكم، ويقبل ربي مني صلاتي قاعدا بأجر صلاتي قائما، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، حيث جعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام، كنافلته قائما؛ تشريفا له
وفي الحديث: الحث على استكمال هيئة الصلاة للقادر عليها فيقف القادر في الفرض والنافلة
وفيه: بيان تفضيل الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم وتمييزه على الأمة كلها