باب من نفى رجلا من قبيلته
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد بن سلمة (ح)
وحدثنا محمد بن يحيى، حدثنا سليمان بن حرب (ح)
وحدثنا هارون بن حيان، أخبرنا عبد العزيز بن المغيرة، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن عقيل بن طلحة السلمي، عن مسلم بن هيصم
عن الأشعث بن قيس، قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في وفد كندة، ولا يروني أفضلهم (2)، فقلنا: يا رسول الله ألستم منا؟ قال: "نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمنا، ولا ننتفي من أبينا" قال: فكان الأشعث بن قيس يقول: لا أوتى برجل نفى رجلا من قريش من النضر بن كنانة، إلا جلدته الحد (1)
حذَّر الشَّرعُ الحَكيمُ مِن الانْتِفاءِ مِن الأنسابِ الصَّحيحةِ، للدُّخولِ في أنسابٍ أُخرى؛ لِمَا في ذلك مِن الخداعِ والتَّلاعُبِ بالأنسابِ.
وفي هذا الحَديثِ يُصوِّبُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خطَأً كان شائِعًا في نسَبِ قُريشٍ، حيث يقولُ الأشعَثُ بنُ قيسٍ رَضِي اللهُ عنه: "أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في وفْدِ كِنْدةَ"، أي: في جَمَاعتِهم، وكِنْدةُ اسمٌ لأبي قبيلةٍ مِن اليمَنِ، "ولا يَرَوْني إلَّا أفضَلَهم"، أي: يُقدِّمُ الوفْدُ الأشعَثَ على أنفُسِهم؛ لِما يرَونَه فيه مِن أفضَليَّةٍ، وهذا إشارةٌ إلى سبَبِ تَقْديمِه في الكلامِ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألَسْتُم مِنَّا؟"، أي: أليسَتْ قُريشٌ وبَنُو هاشِمٍ مِن كِنْدةَ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "نَحن بَنو النَّضرِ بنِ كِنانةَ؛ لا نَقْفو أُمَّنا"، أي: لا نَعِيبُ أُمَّنا ولا نَرْميها بالزِّنا، وقيل: مَعْناه لا نَترُكُ النَّسَبَ إلى الآباءِ، ونَنتَسِبُ إلى الأمَّهاتِ ونَتْبَعُهنَّ، "ولا نَنتَفِي مِن أبينا"، أي: ولا نَنْفي نسَبَنا مِن أَبينا الأكبَرِ النَّضْرِ بنِ كِنانةَ. قال الرَّاوي: "فكان الأشعَثُ بنُ قيسٍ يَقولُ: لا أُوتَى برَجُلٍ نَفى رجُلًا مِن قُريشٍ مِن النَّضرِ بنِ كِنانَةِ إلَّا جلَدْتُه الحَدَّ"، أي: جلَدَه حدَّ القَذْفِ والفِرْيةِ؛ لأنَّه يَنْفي رجُلًا مِن نسَبِه لأبيه الَّذي شَهِد به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وقد اختَلَف النَّسَّابون في قُريشٍ هذا؛ مِن هو؟ على عدَّةِ أقوالٍ؛ فقيل: هو النَّضرُ بنُ كِنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مُدرِكةَ بنِ إلْياسَ بنِ مُضَرَ. وقيل: النَّضرُ قُريشٌ؛ فمَن كان مِن ولَدِه فهو قُرشيٌّ، ومَن لم يَكُن مِن ولَدِه فليس بقُرشيٍّ. وقيل: إنَّ قُريشًا هو فِهْرُ بنُ مالِكٍ، ومَن لم يَلِدْه فِهرٌ فليس مِن قريشٍ، وهو: الجَدُّ الحادي عشَرَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فكلُّ مَن لم يَلِدْه فليس بقُرَشيٍّ، فالفِهْريُّ قُرَشيٌّ بلا نِزاعٍ، ومَن كان مِن أولادِ مالِكِ بنِ النَّضْرِ، أو أولادِ النَّضْرِ بنِ كِنانةَ ففيه خِلافٌ، ومَن كان مِن أولادِ كِنانةَ مِن غيرِ النَّضرِ فلَيْس بقُرَشيٍّ بلا نِزاعٍ، ويَدُلُّ على ذلك ما رَواه مُسلِمٌ عن واثِلةَ بنِ الأسقَعِ، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ اصْطَفى كِنانةَ مِن ولَدِ إسماعيلَ، واصطَفى قُريشًا مِن كِنانةَ واصطَفى مِن قريشٍ بَني هاشِمٍ، واصطَفاني مِن بَني هاشِمٍ".