باب من ورى في يمينه 3

سنن ابن ماجه

باب من ورى في يمينه 3

حدثنا عمرو بن رافع، حدثنا هشيم، أخبرنا عبد الله بن أبي صالح، عن أبيه
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" (1).

حَلِفُ المسْلمِ يكونُ باللهِ أو بأسمائهِ وصِفاتِه؛ لأنَّ فيه تَعظيمًا للمَحلوفِ به، وحَقيقةُ العَظَمةِ مُختصَّةٌ باللهِ تعالَى، ويَنْبغي الصِّدقُ في الحَلفِ وعَدمُ قَصْدِ أمرٍ مُختلفٍ عمَّا تكونُ اليمينُ مَطلوبةً لأجْلِه.
وفي هذا الحديثِ يُبَيِّنُ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ يمينَ المرءِ وحَلِفَه يَقَعُ على ما يُصدِّقُه عليه -أو به- خَصْمُه والمُدَّعي عليه ومُحاوِرُه؛ فاليمينُ على نِيَّةِ المستحلِفِ، ولا يُؤثِّرُ فيه التَّوريةُ مِن الحالِفِ؛ فمَن اسْتحلَفَه غيرُه على شَيءٍ، ونوى الحالِفُ في حَلفِه غيرَ ذلك الشَّيءِ -سواءٌ كان مُتبرِّعًا في يَمينِه، أو بقَضاءٍ عليه لرَفعِ التُّهمةِ- فالمعتبَرُ فيه نِيَّةُ المستحلِفِ الطَّالبِ لليمينِ، كالقاضي والمُحكَّمِ والمُدَّعي، لا نِيَّةُ الحالِفِ وتَورِيتُه، بمَعنى: أنَّه يُريدُ أنْ يَفهَمَ منه صاحِبُه شَيئًا، أو يُريدُ شَيئًا وهو يُريدُ شَيئًا آخَرَ، فيُوَرِّي ببَعضِه عن بَعضٍ.
وهذا وإنْ كان مَنهيًّا عنه في الحديثِ، إلَّا أنَّ التَّوريةَ ربَّما يكونُ لها مَواطنُ لا بَأْسَ فيها، فإذا كان مَظلومًا أو مَقْهورا، أو كان في أمرٍ فيه مَضرَّةٌ عليه، وليْس المُسْتحلِفُ مُحِقًّا، فله أنْ يُوارِيَ ويُعرِّضَ باليمينِ؛ ففي السُّننِ الكُبرى للبَيهقيِّ عن عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه قال: «أمَا في المعاريضِ ما يُغْني الرَّجلَ عن الكذِبِ».