باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى
حدثنا مسدد حدثنا عيسى بن يونس حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبيد الله بن عدى بن الخيار قال أخبرنى رجلان أنهما أتيا النبى -صلى الله عليه وسلم- فى حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسألاه منها فرفع فينا البصر وخفضه فرآنا جلدين فقال « إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب ».
إذا قوي المسلم على اكتساب قوت يومه، فليس له أن يسأل الناس، وفي ذلك يخبر عبيد الله بن عدي أن رجلين من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أخبراه: "أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها"، أي: طلبا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيهما من الصدقة، "فرفع فينا البصر وخفضه"، أي: جعل النبي صلى الله عليه وسلم يتفرس بعينيه في الرجلين اللذين سألاه الصدقة؛ ليرى إن كانا يحتاجان الصدقة أم لا، "فرآنا جلدين"، أي: قويين، والمراد: أن لديهما القدرة على العمل وكسب قوت يومهما؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين: "إن شئتما أعطيتكما"، أي: إن أردتما الأخذ من أموال الصدقة فسأعطيكما، "ولا حظ فيها"، أي: ولكن الصدقة لا نصيب فيها "لغني"، أي: الذي معه ما يكفيه وهو ليس في حاجة لها، "ولا لقوي مكتسب"، أي: من لديه القدرة على كسب قوت يومه، حتى لو لم يكن معه مال، ولكنه قادر على السعي
وهذا من حسن تربية النبي صلى الله عليه وسلم للناس؛ فقد كان يقدر أن يمنعهم ولا يعطيهم ابتداء، ولكن لأن الحاجة هي أمر بين العبد وبين ربه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتزع منهما عزة ترك المسألة، فيكون الامتناع عن الأخذ بناء على رغبة منهما، لا رفضا منه صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: تربية نبوية عظيمة للشخصية المسلمة على عزة النفس، وعلى العطاء لا الأخذ والسؤال والكسل
وفيه: أن على القائم على توزيع الصدقات أن يتحرى الأولى ثم الأولى في الحاجة
وفيه: أن على من لا يملك المال أن يسعى في الكسب، ما دام قادرا على العمل وبذل المجهود