باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه 1

بطاقات دعوية

باب مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه 1

عن عثمان بن موهب قال: جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوما جلوسا، فقال: من هؤلاء القوم (وفي رواية: القعود 5/ 34)؟ قال: هؤلاء قريش. قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. [فأتاه، ف] قال: يا ابن عمر! إني سائلك عن شيء فحدثني عنه، [أنشدك بحرمة هذا البيت]؛ هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم. فقال: [ف]، تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم. قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: الله أكبر!
قال ابن عمر: تعال [لأخبرك، ول]، أبين لك [عما سألتني عنه]؛ أما فراره يوم أحد؛ فأشهد أن الله عفا عنه، وغفر له، وأما تغيبه عن بدر؛ فإنه كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مريضة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه"، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان؛ فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان؛ لبعثه مكانه، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى:
"هذه يد عثمان"، فضرب بها على يده، فقال: "هذه لعثمان".
فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك.

اتَّهمَ المُنافِقونَ عُثْمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه بالكَثيرِ مِن التُّهمِ، ورَمَوْه بالكَثيرِ مِن الباطلِ بعْدَ قيامِ الفِتْنةِ الَّتي انتهَتْ باستِشْهادِه رَضيَ اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ بَعضُ هذه التُّهمِ الَّتي رمَوْه بها بالباطِلِ، حيثُ يَرْوي التَّابِعيُّ عُثمانُ بنُ مَوْهَبٍ أنَّه قد جاء رَجلٌ مِن أهلِ مِصرَ للحَجِّ، فوجَدَ قَومًا مِن قُرَيشٍ يَجلِسونَ، فسَأَل عن كَبيرِهم، فأشاروا إلى عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، فذكَر له بَعضًا مِن الشُّبُهاتِ الَّتي أُثيرَتْ في حقِّ الخَليفةِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال له: هلْ تَعلَمُ أنَّ عُثمانَ فرَّ يومَ أُحدٍ؟ أي: في غَزْوةِ أُحدٍ، وكانت في السَّنةِ الثَّالثةِ منَ الهِجرةِ، فقال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: نَعمْ، فقال له الرَّجلُ: تَعلَمُ أنَّه تَغيَّبَ عن بَدرٍ؟ أي: في غَزْوةِ بَدرٍ، والَّتي وقَعَت في السَّنةِ الثَّانيةِ منَ الهِجرةِ، قال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: نَعمْ، قال الرَّجلُ: تَعلَمُ أنَّه تغيَّبَ عن بَيْعةِ الرِّضْوانِ؟ وهي بَيْعةُ الشَّجَرةِ، والَّتي وقَعَت في عامِ الحُدَيْبيَةِ في العامِ السَّادسِ منَ الهِجْرةِ، وسُمِّيَت بذلك؛ لِمَا شَمِلَهم في تلك البَيْعةِ مِن رِضْوانِ اللهِ عزَّ وجلَّ وعَفوِه. فقال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: نَعمْ، فقال الرَّجلُ: اللهُ أكبَرُ! فرَحًا بجَوابِ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما؛ ظنًّا منه أنَّ هذا يُؤيِّدُ ما رَمَوْا به عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه، فقال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما للرَّجلِ: «تعالَ أُبيِّنْ لكَ» حَقيقةَ كلِّ تُهْمةٍ وشُبْهةٍ منَ الَّتي ذكَرْتَها، فأمَّا فِرارُه يومَ أُحدٍ، فكان فيمَن أخْطأَ مِن المُسلِمينَ، وقدْ عَفا اللهُ عنهم، وغفَرَ لهم، وأمَّا عدَمُ حُضورِه لغَزْوةِ بَدرٍ؛ فذلك لأنَّ زَوجَتَه بنتَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانت مَريضةً، فأمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالجُلوسِ معَها، وقال له: «إنَّ لكَ أجْرَ رَجلٍ ممَّن شَهِدَ بَدرًا وسَهْمَه»، أي: له أجْرُ مَن شهِدَ الغَزْوةَ ونَصيبُه منَ الغَنيمةِ، وأمَّا تَغيُّبُه عن بَيْعةِ الرِّضوانِ يومَ الحُدَيْبيَةِ؛ فذلك لأنَّه كان أعزَّ النَّاسِ نَسبًا، فبَعثَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لقُرَيشٍ مِن أجْلِ شَرفِه ونَسبِه فيهم، وكانت بَيْعةُ الرِّضْوانِ بعْدَ أنْ بعَثَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى مكَّةَ، فبايَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَن حضَر، ثُمَّ ضرَب بيَدِه اليُمْنى على اليُسْرى، وقال: هذه يَدُ عُثمانَ، فعقَد البَيْعةَ لعُثمانَ وهو غائبٌ، ثمَّ قال ابنُ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما للرَّجلِ بعْدَ أنْ بيَّنَ له حَقيقةَ ما يُرْمى به عُثمانُ بالباطِلِ: «اذهَبْ بها الآنَ معَكَ»، أي: حتَّى يَزولَ عنكَ ما كُنتَ تَعتقِدُه مِن عَيبِ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي الحَديثِ: فَضيلةُ عُثمانَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: فَضيلةُ ابنِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما، وعِلمُه، ودَقيقُ فِقهِه، وجوابُه الحَسنُ على مَن سَألَه.