باب ميراث الولاء 2

سنن ابن ماجه

باب ميراث الولاء 2

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، قالا: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن ابن الأصبهاني، عن مجاهد بن وردان، عن عروة بن الزبير
عن عائشة، أن مولى للنبي - صلى الله عليه وسلم - وقع من نخلة فمات، وترك مالا ولم يترك ولدا ولا حميما، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته" (2).

حدَّد الله عزَّ وجلَّ في كِتابِه الكَريمِ قَواعِدَ وَأُصولَ المواريثِ وَذكَر أكْثَر صُورِها دَورانًا بيَن النَّاسِ، وكذلك بيَّن النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نَصيبَ كلِّ وارِثٍ، فوَضَع الشَّرعُ الشريفُ قواعدَ الميراثِ وبيَّنها وفصَّلها؛ حَتَّى لا يُظلَمَ وارِثٌ ولا يَظلِمَ مُوَرِّثٌ.
وفي هذا الحَديثِ "أنَّ مَوْلًى"، أي: مَعْتُوقًا بعدَ العُبودِيَّة "لِلنَّبِيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم مات، وترَك شيئًا"، أي: تَرَك مالًا تَرِكَةً، "ولم يَدَعْ ولدًا، ولا حَمِيمًا"، أي: لم يَترُكِ ابنًا ولا قريبًا، "فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: أَعطُوا مِيراثَه رَجُلًا مِن أهلِ قَرْيَتِه"، أي: القَرْيَةِ الَّتِي هو منها.
"قال أبو داود- صاحب السُّنن-: وحديثُ سَفْيَانُ أَتَمُّ"، أي: أَكمَلُ وأفضلُ؛ وذَلِكَ لأنَّ أبا دَاودَ روَى هَذا الحديثَ مِن طَريقَينِ الأُولَى هِي روايةُ عن سُفْيَان وَهِي ما سَبقَ في هذا الحديثِ نَفْسِه، أما الطَّريقُ الثَّانيُة فهي عَن مُسدَّدٍ وفيها زِيادَةٌ، فقالَ أبو دَاوُدَ "وقال مُسَدَّدٌ: قال: فقال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: هاهُنا أَحَدٌ مِن أهلِ أَرضِه؟"، أي: هل يُوجَد أحدٌ في الحاضِرِينَ مِن قريةِ هذا المَوْلَى الَّذِي تُوُفِّيَ؟ "قالوا: نَعَمْ"، قال: "فأَعْطُوهُ مِيراثَه"، أي: فأَعطُوا هذا الرجلَ الَّذِي مِن قريةِ المَوْلَى المُتَوَفَّى مِيراثَه وتَرِكَتَه.
وَقِيل في هذا: إِنَّما أَمَر النَّبِيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم أنْ يُعْطَى مِيراثُه لِرَجُلٍ من أْهِل قَرْيَتِه تَصدُّقاً منه، أو تَرَفُّعًا، أو لأنَّه كان لبيتِ المالِ ومَصْرِفهُ يَكونُ في مَصالحِ المسلِمِينَ وسَدِّ حَاجاتِهم, فإن الأنبياءَ كما لا يُورَثُ عنهم لا يَرِثوُن عَن غَيرِهِم، وقولُ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (أنا مَولى مَن لا مولَى له، أرِثُ مالَه) لم يُردْ به حقيقةَ الميراثِ، وإنَّما أرادَ أنَّ الأمرَ فيه إليَّ فِي التَّصدُّقِ به، أو صَرْفِه في مَصالحِ المسلِمِينَ، أو تمليكِ غَيرِه..