باب نزول المحصب2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا معاوية بن هشام، عن عمار ابن رزيق، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود
عن عائشة، قالت: ادلج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة النفر من البطحاء ادلاجا (2)
علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أحكامَ الحجِّ وسُننَه وآدابَه، بقولِه وفِعلِه كذلك، وأمَرَنا أنْ نَأخُذَ عنه مَناسِكَنا.
وفي هذا الحديثِ تقولُ عائشةُ رَضِي اللهُ عنها: "ادَّلَج النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، بتَشْديدِ الدَّالِ وهو السَّيرُ آخِرَ اللَّيلِ، وبلا تَشْديدٍ هو السَّيرُ أوَّلَ اللَّيلِ، وخُروجُه مِن البَطْحاءِ كان في الآخِرِ؛ فتَعيَّن التَّشديدُ، "لَيْلةَ النَّفْرِ مِن البَطْحاءِ ادِّلاجًا"، أي: خرَج ليلةَ النَّفيرِ إذْ نفَر مِن مِنًى إلى مكَّةَ للتَّوديعِ، مِن البَطْحاءِ وهو وداي المُحَصَّبِ بأعلى مكَّةَ، وهو الْمُعرَّسُ، وهو موضِعُ الجِمارِ بمِنًى.
وفي روايةِ مُسلِمٍ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما: "فصَلَّى الصُّبحَ بالبَطْحاءِ"، أي: إنَّه صلَّى الصُّبحَ بالبَطْحاءِ صَبيحةَ اليومِ الرَّابعِ لِذي الحجَّةِ.
وفي روايةٍ أُخْرى لِمُسلِمٍ أيضًا، عَن نافِعٍ مَوْلى ابنِ عُمرَ، "أنَّ ابنَ عُمرَ، كان يَرى التَّحصيبَ سُنَّةً، وكان يُصلِّي الظُّهرَ يومَ النَّفْرِ بالحصَبةِ، قال نافعٌ: قد حَصَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم والخُلَفاءُ بَعدَه".
إلَّا أنَّ عائِشةَ قد فسَّرَت نُزولَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للأبطَحِ؛ لِيَكونَ أسْمَحَ وأسهَلَ لِخُروجِه راجِعًا إلى المدينةِ، ولِيَكونَ أسرَعَ، ولِيَستوِيَ البطيءُ والمتعذِّرُ، ويَكونَ مَبيتُهم وقيامُهم في السَّحَرِ، ورَحيلُهم بأجمَعِهم إلى المدينةِ، ففي حديثٍ أبي داودَ- وأصلُه عِندَ البُخاريِّ- قالت عائشةُ رَضِي اللهُ عنها: "إنَّما نَزَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المحصَّبَ؛ لِيَكونَ أسمَحَ لِخُروجِه، وليسَ بسُنَّةٍ، فمَن شاء نزَلَه، ومَن شاء لم يَنزِلْه".
ويَدُلُّ ذلك على أنَّه ليس مِن مَناسِكِ الحجِّ، وليس بسُنَّةٍ، وأنَّه لا شيءَ على مَن ترَكَه.