باب نزول عيسى عليه السلام وكسر الصليب وقتل الخنزير 3
بطاقات دعوية
- عن جابر بن عبد الله قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال فينزل عيسى ابن مريم - عليه السلام - فيقول أميرهم (1) تعال صل لنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة. (م 1/ 95)
أُمَّةُ الإسلامِ شأنُها عَظيمٌ وخَطيرٌ؛ فإنَّها آخِرُ أُمَمِ الأنبياءِ في الدُّنيا، ونَبيُّها خاتَمُ الأنبياءِ، وقد أُرسِلَ إلى النَّاسِ كافَّةً بَشيرًا ونَذيرًا، ودَعوتُه مُمتدَّةٌ إلى آخِرِ الزَّمانِ، ومن لَوازمِ امتدادِ دَعوتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَبقَى الحَقُّ قائمًا في الأمَّةِ لا يَضيعُ، وذلك من رَحمةِ اللهِ بالأمَّةِ من جِهةٍ، ومِن جِهةٍ أخرى لاستمرارِ قيامِ الحُجَّةِ على النَّاسِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه ستَظَلُّ فِئَةٌ من أُمَّةِ الإسلامِ مُنتصِرةً غالبةً، وهذه الفئةُ مُعانةٌ منَ اللهِ، مَنصورةٌ على مَن خَذَلها وحاربَها، والهَزيمَةُ والخِذلانُ عاقبةُ مَن حارَبَها أو عارَضَها، وسيَظلُّون على هذا الحالِ إلى يومِ القيامةِ طائفةً بعدَ طائفةٍ، وهذا مِمَّا يدُلُّ على أنَّ الحقَّ لا يَنقطِعُ في أُمَّةِ الإسلامِ؛ فهناك مَن يَتوارَثُه جيلًا بعدَ جيلٍ، والطَّائفةُ التي تَبقَى ظاهِرةً على الحَقِّ مُوَضَّحةٌ في حَديثِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ عند مُسلِمٍ: «لا يَزالُ أهلُ الغَرْبِ ظاهِرين»، وأهلُ الغربِ قيل: إِنَّهمُ العربُ؛ لأنَّ الغربَ هنا: الدَّلوُ الكبيرُ، وهو ممَّا يُستعمَلُ عند العَربِ، وقيل: الغَربُ: القوَّةُ، وقيل: الغربُ الَّذي هو ضِدُّ الشَّرقِ، فهُم أهلُ الشَّام ومِصرَ وكُلِّ ما كان غَربًا للمدينةِ
وقد اختُلِفَ في المقصودِ بهذِه الطَّائفةِ، وكذلك اختُلِف في مَكانِها؛ فقيلَ: هُم العُلماءُ والفُقَهاءُ. وقيل: هُم أصحابُ الحَديثِ. وقيل: هُم المُجاهِدُون في سَبيلِ اللهِ تَعالَى. وقد ورَدَ أنَّهم بالشَّامِ، وأنَّهم ببَيتِ المقدسِ وأكنافِه، وورَد أنَّ آخِرَهم بِبيتِ المقدِسِ، والأولى الجَمعُ بين هذه الأقوالِ كلِّها، بأنَّ هذه الطَّائفةَ تكون مُتناثِرةً بينَ طَوائفِ الأُمَّةِ؛ فَمنَ المُمكنِ أن يَكونوا منَ العُلماءِ والمُجاهِدين والفُقهاءِ، والآمِرين بالمَعروفِ والنَّاهينَ عنِ المُنكرِ، وقَد يَكونون مُجتمِعينَ في مَكانٍ، أو مُتفرِّقينَ في عِدَّةِ أماكنَ
وسيَظلُّون مُتَمَسِّكينَ بالحقِّ حتَّى آخِر الزَّمانِ، وسيَأتيهم أمرُ اللهِ آخِرَ الزَّمانِ وهم مُنتصِرون، والمقصودُ بأمرِ اللهِ تَعالَى هو الرِّيحُ الطيِّبةُ التي تكونُ قُربَ قيامِ الساعةِ وتَقبِضُ رُوحَ كلِّ مؤمنٍ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «ثمَّ يَبعَث اللهُ رِيحًا، فلا تَترُكْ أحدًا في قَلْبِه مِثقالُ حَبَّةٍ من إيمانٍ إلَّا قَبَضَتْه، ثمَّ يَبقَى شِرارُ النَّاسِ، عليهم تقومُ السَّاعةُ»، فالمؤمنونُ يَموتونَ بينَ يَديِ السَّاعةِ بهذِه الرِّيح، ولا تَقومُ حينئذٍ إلَّا على شِرارِ الخلقِ، ومَن لا يُؤمِنُ باللهِ تَعالَى
وفي الحديثِ: عَلَمٌ من أعلامِ النُّبوَّةِ، حيثُ أخبَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيه ببَعضِ ما سيَكونُ بعدَه في أُمَّتِه
وفيه: بَيانُ أنَّ الحقَّ لا يَنقطِعُ من الأُمَّةِ، بل هو مَوجودٌ إلى قيامِ السَّاعةِ