باب نصر الأخ ظالما أو مظلوما
بطاقات دعوية
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. قال: كنا في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار! فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما بال دعوى جاهلية؟» قالوا: يا رسول الله! كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال: «دعوها، فإنها منتنة» . فسمع بذلك عبد الله بن أبي، فقال: فعلوها؟ أما والله! لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم. فقام عمر، فقال يا رسول الله! دعني أضرب عنق هاذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعه. لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه»
جاء الإسلام ليقضي على كل سنن الجاهلية، وكل دعوى باطلة لها، ومن هذه الدعاوى العصبية القبلية، وإنما جعل الولاء للمسلمين جميعا عربا كانوا أو عجما، وجعل البراء من المشركين جميعا عربا كانوا أو عجما
وفي هذا الحديث يخبر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بواقعة ظهرت فيها دعوى الجاهلية والتعصب القبلي، فيروي أنهم خرجوا في غزوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: غزوة المريسيع «بني المصطلق» سنة ست من الهجرة، وقد خرج المنافقون مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة؛ لأن السفر كان قريبا، فطمعوا في الغنيمة
وقد اجتمع ناس من المهاجرين حتى كثروا، وكان من المهاجرين رجل «لعاب»، أي: يلعب بالحراب، وقيل: مزاح، واسمه جهجاه بن قيس الغفاري، وكان أجير عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكسع أنصاريا، أي: ضرب دبره بيده، أو رجله، فغضب الأنصاري -وهو سنان بن وبرة- غضبا شديدا، حتى تداعوا، أي: استغاثوا، كل واحد منهما ينادي على جماعته وقبيلته التي ينتسب لها، وقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما بال دعوى أهل الجاهلية؟!» أي: ما حال دعوى الجاهلية حضرت بينكم من التناصر والتداعي بالآباء؟! وكانت الجاهلية تنتمي في الاستغاثة إلى الآباء، فتقول: يا آل فلان، وذلك من العصبية والجاهلية مدة ما قبل الإسلام، والغرض من استفهامه صلى الله عليه وسلم إنكار ذلك عليهم، وتوجيه لهم بأن يتداعوا بالإسلام الذي يؤلف بينهم، ويلتزموا بشرائعه، وإنما ينبغي أن تكون الاستغاثة بالإسلام وحكمه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب شجارهم، فأخبر بكسعة المهاجري للأنصاري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوها»، الإشارة إلى تلك الطريقة في الاحتكام والاستنصار دون معرفة الحق من الباطل؛ «فإنها خبيثة»، والمراد: اتركوا دعوى الجاهلية؛ لأنها منتنة قبيحة منكرة كريهة مؤذية؛ لإثارتها الغضب على غير الحق، والتقاتل على الباطل عصبية، ولأنها تدعو إلى الاقتتال بين المسلمين وأبناء الدين الواحد، وقد قال الله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10]
وفي هذه الواقعة لما وصل إلى مسامع عبد الله بن أبي ابن سلول أحد قادة ورؤساء الخزرج، ولما عرض عليه الإسلام أسلم في الظاهر، ولكنه كان رأس المنافقين بالمدينة، ويبطن العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ فقال: «أقد تداعوا علينا؟» أي: استدعى بعضهم بعضا ليتقووا علينا، فهو يستنكر استغاثة المهاجرين ببعضهم على الأنصار رغبة منه في بث الشقاق بين المهاجرين والأنصار، ثم قال ذلك المنافق: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز -يقصد نفسه- الأذل -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه-، فقال عمر رضي الله عنه: ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث؟ يقصد ابن سلول؛ لمقولته تلك، فرفض النبي صلى الله عليه وسلم قتل ابن سلول؛ حتى لا يتحدث من لا يعرف ابن سلول أن النبي صلى الله عليه وسلم يقتل المسلمين، فيحجم الناس عن الدخول في الإسلام بسبب ذلك، وهذه سياسة عظيمة، وحزم وافر؛ لأن الناس يرون الظاهر، والظاهر أن عبد الله بن أبي كان من المسلمين، ومن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم
وفي الحديث: مراعاة النظر للعامة على النظر للخاصة، والتحذير من كل عمل فيه تنفير الناس عن الدخول في الإسلام
وفيه: التحذير من سوء عاقبة التداعي بأمور الجاهلية