باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة 11
بطاقات دعوية
عن عائشة أن أبا بكر رضى الله عنه تزوج امرأة من كلب يقال لها: أم بكر، فلما هاجر أبو بكر طلقها، فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر الذى قال هذه القصيدة، رثى كفار قريش:
وماذا بالقليب قليب بدر ... من الشيزى (84) تزين بالسنام
وماذا بالقليب قليب بدر ... من القينات (85) والشرب الكرام
تحيى بالسلامة أم بكر ... وهل لي بعد قومي من سلام
يحدثنا الرسول بأن سنحيا ... وكيف حياة أصداء وهام
الشِّعرُ نَوعٌ مِن الكَلامِ المُنمَّقِ المَوْزونِ المُقَفَّى، أي: له قافيةٌ وهي توافُقٌ علَى الحَرْفِ الأخيرِ مِن البَيتِ الشِّعريِّ، يُؤثِّرُ في النُّفوسِ، وحُكْمُه في الشَّرْعِ يكونُ بحسَبِ ما فيه مِن المَعاني؛ فقدْ يكونُ شرًّا وسُوءًا فيُنْهى عنه، وقد يكونُ حِكْمةً وأخْلاقًا فيُباحُ أو يُؤمَرُ به.
وفي هذا الحَديثِ تَحْكي أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ أباها أبا بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه تَزوَّجَ امْرأةً مِن بَني كَلْبِ بنِ عَوفِ بنِ عامِرِ بنِ لَيثٍ، وكان يُقالُ لها: أمُّ بَكرٍ، فلمَّا هاجَر أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه إلى المَدينةِ طلَّقَها، فتَزوَّجَها ابنُ عمِّها أبو بَكرٍ شدَّادُ بنُ الأسوَدِ بنِ عَبدِ شَمسِ بنِ مالكِ بنِ جَعونةَ، وهو الشَّاعرُ الَّذي قال قَصيدةً رَثَى بها كُفَّارَ قُرَيشٍ الَّذين قُتِلوا يومَ بَدرٍ في العامِ الثَّاني مِن الهِجْرةِ وألْقاهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالقَليبِ، فبَكاهم هذا الشَّاعرُ، وعدَّدَ مَحاسِنَهم، ونظَم فيهم شِعرًا قبْلَ إسْلامِه، وقيلَ: إنَّه أسلَمَ ثمَّ ارتَدَّ بعْدَ ذلك.
فقال في رِثائِه لهم:
وماذا بالقَليبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ** مِنَ الشِّيزَى تُزَيَّنُ بالسَّنامِ
والقَليبُ: البِئرُ قبْلَ أنْ تُبْنَى بالحِجارةِ ونَحْوِها. والشِّيزَى: شَجرٌ تُصنَعُ مِن أخْشابِها الجِفانُ، وهي: آنيةُ الطَّعامِ، وأراد أصحابَها الَّذين كانوا يُطْعِمُون فيها وقُتِلوا ببَدْرٍ وأُلْقوا في القَليبِ.
أي: وماذا بقَليبِ بَدرٍ مِن أصْحابِ الجِفانِ والقِصاعِ المصنوعةِ مِنَ الشِّيزى للثَّريدِ حالَ كَونِها تُزيَّنُ بالسَّنامِ، أي: بلُحومِ سَنامِ الإبِلِ، وأرادَ أنَّ الَّذين رُدِموا بقَليبِ بَدرٍ كانوا ممَّن يُطعِمونَ الأضْيافَ.
ثمَّ قال:
وماذا بالقَلِيبِ قَليبِ بَدرٍ ** مِن القَيْناتِ والشَّرْبِ الكِرامِ
القَيناتُ: المغنِّياتُ، والشَّرْبُ -بفتْحِ الرَّاءِ-: جمْعُ شاربٍ، وهمُ الَّذين يَجتَمِعونَ للشَّرابِ.
أي: وماذا به مِن أصْحابِ المُغنِّياتِ والقومِ الكِرامِ الَّذين يَجتَمِعونَ للشَّرابِ. والمَعنى: إنَّ هؤلاء كانوا ممَّن تُغَنِّيهمُ القِيانُ، وتَحضُرُهمُ شارِبو الخمْرِ، وأنَّ بمَوْتِهم قدْ ذهَبَت تلك المَكارِمُ، فكأنَّها دُفِنَت معَهم.
تُحَيِّينا السَّلامَةَ أُمُّ بَكرٍ ** وهَلْ لي بَعْدَ قَوْمِي مِن سَلامِ
تُحيِّي بالسَّلامةِ، أي: تُلْقي عليهمُ التَّحيَّةَ بالسَّلامِ، فالمُرادُ بالسَّلامةِ السَّلامُ. أو هو دُعاءٌ بالسَّلامةِ، يَعني: تَدْعو لنا أُمُّ بَكرٍ بالسَّلامةِ، وهل لي بعْدَ مَوتِ قَوْمي وإلْقائِهم في القَليبِ مِن تَحيَّةٍ، أو مِن سَلامةٍ؟!
يُحدِّثُنا الرَّسولُ بأنْ سَنَحْيا ** بعدَ المَوتِ، وكيفَ حَياةُ أصْداءٍ وهامِ
أصْداءٌ جَمعُ صَدًى، وهو ذكَرُ البُومِ. وهامٌ: جَمعُ هامَةٍ، وهي جُمْجُمةُ الرَّأسِ، وقيلَ: هي اسمٌ لطائرٍ يَطيرُ باللَّيلِ كانوا يَتَشاءَمونَ بهِ، وكانتِ العرَبُ تَعتَقِدُ أنَّ رُوحَ القَتيلِ الَّذي لم يُؤخَذْ بثَأْرِه تَصيرُ هامَةً، فتَزْقو -أي تَصِيحُ- عندَ قَبرِه وتَقولُ: اسْقُوني اسْقُوني مِن دَمِ قاتِلي، فإذا أُخِذَ بثَأْرِه طارَتْ، وقيلَ: كانوا يَزعُمونَ أنَّ عِظامَ الميِّتِ تَصيرُ هامَةً، ويُسمُّونَها الصَّدى. وأرادَ الشَّاعرُ إنْكارَ البَعثِ بهذا الكَلامِ؛ فإنَّه يقولُ: إذا صارَ الإنْسانُ كهذا الطَّائرِ، كيف يَصيرُ مرَّةً أُخْرى إنْسانًا؟!
وفي الحَديثِ: إنْكارُ كُفَّارِ قُرَيشٍ للبَعثِ بعْدَ المَوتِ.