باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض 2
بطاقات دعوية
عن عامر بن سعد عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال - سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها. (م 8/ 171 - 172)
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على أُمَّتِه مُشفقًا عَليهم، فكثيرًا ما يَسألُ اللهَ لَهم ما يَنفعُهم في دُنياهُم ويُصلِحُ لَهم أمرَ آخرَتِهم
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ سعدُ بنُ أَبي وَقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ «أقْبَلَ ذَاتَ يَومٍ مِنَ العَالِيَةِ» وهي قُرًى تَقَعُ شَرقَ المَدينَةِ جِهةَ نَجْدٍ، «حتَّى إذَا مَرَّ بمَسجدٍ بَني مُعاويةَ» وهو ابنُ مالكِ بنِ عَوفٍ، وهُم جَماعةٌ منَ الأَنصارِ، ويقَعُ المسجدُ في شَمالَي البقيعِ على يَسارِ السَّالكِ إلى العريضِ، وهذا المسجدُ هو المعروفُ بمَسجدِ الإجابةِ؛ لِما وَقَع مِن إجابةِ اللهِ لدُعاءِ نَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما سيَأتي في هذا الحديثِ، فدَخَل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا المسجدَ، فصلَّى فيهِ بأصحابِه رَضيَ اللهُ عنهم رَكعتينِ، وَدعا ربَّه في تلك الرَّكعتينِ دُعاءً طويلًا، ثُمَّ بعْدَ فَراغِه منَ الدُّعاءِ، أقبَلَ على مَن معه وذَكَر لهم ما كان مِن دُعائهِ وأنَّه دعاهُ بثَلاثِ دَعواتٍ، فأجابَ اللهُ له ثِنتينِ مِن الثَّلاتِ، ولم يُجِبْه في الثَّالثةِ، وبَيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هَذه الدَّعواتِ، فَقال: «سَألتُ رَبِّي أن لا يُهلِكَ أُمَّتي بالسَّنةِ»، أي: بالجَدبِ والقَحطِ والمَجاعةِ الَّتي تَستأصِلُهم وتُضعِفُهم، فأَعطانيها واستَجابَ لي فيها، والمرادُ بأُمَّتِه هي الَّتي آمَنَتْ به
والثَّانيةُ: «ألَّا يَهلِكَ أُمَّتي بالغَرقِ» يَعني: لا تَغرقُ الأُمَّة كلُّها كقومِ فِرعونَ في اليمِّ، وقومِ نوحٍ بالطُّوفانِ فأَعطانِيها، وفي حَديثِ التِّرمذيِّ عن خَبَّابِ بنِ الأرَتِّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قال: «وسَألْتُه ألَّا يُسلِّطَ عليهم عَدوًّا مِن غَيرِهم، فأعْطانِيها» أي: لا يَكونَ هَلاكُهم بعَدوٍّ مِن الكفَّارِ يَستبيحُهم، فيَستأصِلُهم ويُضعِفُهم، والمرادُ بذلك ألَّا يَغلِبوا المسْلِمينَ غَلبةً تَستبيحُ بَيضةَ الإسلامِ، وتَستأصِلُ المسلِمينَ جميعًا، فلا يَرِد ما يَحصُلُ في بعضِ الأحيانِ مِن غَلَبةِ بعضِ أعداءِ الإسلامِ على بعضِ المسْلِمين
والثَّالثةُ هيَ ألَّا يَجعلَ بأسَهُمْ بيْنَهم، أي: ألَّا يقَعَ بيْنَهم فُرقةٌ وقِتالٌ تُهلِكُهم وتُضعِفُهم، والبأسُ الحروبُ والفِتنُ، «فمَنعنِيها» لم يُجِبْه اللهُ عزَّ وجلَّ في تلك الدَّعوةِ؛ لكونِها مُخالفةً لِقضائهِ المُبْرَمِ ومَشيئتِه الَّتي لا يُسأَلُ عنها، وفي هذا وَرَد قولُه تَعالَى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} [الأنعام: 65]
وفي الحديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ