باب: وجوب الجهاد 3
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا معتمر، قال: سمعت معمرا، عن الزهري، قال: قلت: عن سعيد، قال: نعم، عن أبي هريرة، ح وأنبأنا أحمد بن عمرو بن السرح، والحارث بن مسكين، - قراءة عليه وأنا أسمع، واللفظ لأحمد - قالا: حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت في يدي» قال أبو هريرة: «فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها»
فَضَّلَ اللهُ سُبحانَه نَبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على سائرِ الأنبياءِ والرُّسُلِ، وخَصَّه بخَصائصَ كَثيرةٍ، ومِنها ما في هذا الحَديثِ؛ فيُخبِرُ أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: «بُعِثتُ»، أي: إنَّ اللهَ أرسَلَه «بجَوامعِ الكَلِمِ»، والكلمةُ الجامِعةُ هي المُوجَزةُ لفظًا المُتَّسِعةُ مَعنًى، وهذا يَشمَلُ القرآنَ والسُّنَّةَ؛ لأنَّ كلًّا منهما يَقَعُ فيه المَعاني الكثيرةُ بالألفاظِ القليلةِ، وكانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجمَعُ المَواعِظَ الجَمَّةَ والوصايا الجامِعةَ، والحِكَمَ البالِغةَ في الكلامِ القليلِ
وأخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه نُصِرَ بالرُّعبِ، وهو الخَوفُ وَالفَزعُ، فَكانَ يَقَعُ ذلِك في قُلوبِ أعدائه وهو على بُعدِ مَسيرةِ شَهرٍ بينَه وبينَهم، كما قالَ تَعالَى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ} [آل عمران: 151].
ثُمَّ أخبَرَ أنَّه رأى في المَنامِ -ورُؤيا الأنبياءِ حقٌّ وصِدقٌ منَ اللهِ سُبحانَه- أنَّه أُتيَ بمَفاتيحِ خَزائنِ الأرضِ، فَوُضِعت في يدِه، وقد فُسِّرَ هذا بما يُفتَحُ لأُمَّته من بَعدِه منَ الفُتوحِ، كَخَزائنِ كِسرى وقَيصرَ
ثُمَّ قالَ أبو هُرَيرةَ: «فَقدْ ذَهَبَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، أي: تُوفِّيَ «وأنتُمْ تَلغَثونَها»، أي: تَأكُلونها، وتَلغَثونها منَ اللَّغيثِ -بوَزنِ عَظيمٍ- طَعامٌ مَخلوطٌ بشَعيرٍ، «أو تَرغَثونَها»، منَ الرَّغثِ، وهو الرَّضَاعُ، أو قالَ كَلمِةً تُشبِهُها، وهذا كِنايةٌ عَن سَعةِ العَيشِ، ويَشمَلُ الغَنائمَ والكُنوزَ وغَيرَ ذلكَ
وفي الحَديثِ: عَلَمٌ من أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: بَيانُ مَكانةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ اللهِ سُبحانَه وتعالَى