باب وجوب الصفا والمروة، وجعل من شعائر الله

بطاقات دعوية

باب وجوب الصفا والمروة، وجعل من شعائر الله

عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها [وأنا يومئذ حديث السن 2/ 203]، فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي! (وفي رواية: كلا) إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في [265 - رجال من 6/ 51] الأنصار، كانوا [هم وغسان] قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية؟ التي كانوا يعبدونها عند المشلل، [ومناة صنم بين مكة والمدينة] [حذو قديد]، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ قالوا: يا رسول الله! إنا كنا نتحرج أن (وفي رواية: كنا لا) نطوف بين الصفا والمروة [تعظيما لمناة]؛ فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية.
قالت عائشة رضي الله عنها:
وقد سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف (وفي رواية: ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته ما لم يطف) بينهما. ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن، فقال: إن هذا لعلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون، أن الناس- إلا من ذكرت عائشة- ممن كان يهل بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة، فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت، ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا: يا رسول الله! كنا نطوف بالصفا والمروة، وإن الله أنزل الطواف بالبيت؛ فلم يذكر الصفا، فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة؟ فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} الآية. قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما، في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا في الجاهلية بالصفا والمروة، والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا، حتى ذكر ذلك بعدما ذكر الطواف بالبيت

الحَجُّ عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، عَلَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه إيَّاها بالفِعلِ وبالقَولِ، وقد نَقَلوا لنا صِفةَ هذه العِبادةِ كما رَأوْها وأدَّوْها معه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَضيَ اللهُ عنهم.
وفي هذا الحَديثِ يَروي التَّابِعيُّ عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّه سَألَ خالتَه أُمَّ المُؤمِنينَ، عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها، عن مَعنى قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]؛ حيثُ فَهِمَ منها أنَّ السَّعيَ غَيرُ واجِبٍ على الحاجِّ، فأجابَتْه بأنَّه قد أخطَأ في فَهمِه، وأنَّ الآيةَ أُنزِلَتْ في الأنْصارِ؛ حيثُ كانوا قَبلَ أنْ يُسلِموا يَحُجُّونَ لِصَنمٍ يُسَمَّى مَناةَ، عِندَ المُشَلَّلِ، وهو جَبلٌ بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، يُهبَطُ منه إلى قُدَيْدٍ، فكان مَن حَجَّ مِنَ الأنصارِ يَرى في السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ إثمًا عَظيمًا؛ لأنَّهما كان فيهما صَنمانِ يَعبُدُهما غَيرُهم، وهما إسافٌ ونائِلةُ، وكانوا يَكرَهونَهما.
فلَمَّا أسلَموا سَألوا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَن ذلك، فأنزلَ اللهُ تعالَى الآيةَ، فبَيَّنَ لهم أنَّه لا إثمَ عليهم في السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، كما كانوا يَظُنُّونَ؛ لأنَّ السَّعيَ بَينَهما مِن شَعائرِ اللهِ، أيْ: مِن مَناسِكِ الحَجِّ والعُمرةِ.
وقال الزُّهريُّ: ثم أخبَرتُ أبا بَكرِ بنَ عبدِ الرَّحمنِ بحَديثِ عائِشةَ، فأعجَبَه ذلك، وقال: إنَّ هذا لَعِلْمٌ، أيْ: إنَّ كلامَ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها لَعِلْمٌ ما كُنتُ سَمِعتُه.
ثم بَيَّنَ أنَّه سَمِعَ رِجالًا مِن أهلِ العِلمِ قالوا بغَيرِ الذي قالَتْه عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها؛ فإنَّهم لم يَخُصُّوا سَبَبَ نُزولِ الآيةِ بطائِفةٍ واحِدةٍ، وهي الأنصارُ الذين كانوا يَتحرَّجونَ مِنَ الطَّوافِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، بل ذَكَروا طائِفةً أُخرى عَكْسَها، مِمَّن كان يُهِلُّ بمَناةَ، كانوا يَطوفونَ كُلُّهم بالصَّفا والمَروةِ ولا يَتحرَّجونَ، فلَمَّا ذَكَرَ اللهُ تعالَى الطَّوافَ بالبَيتِ ولم يَذكُرِ الصَّفا والمَروةَ في القُرآنِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، كنَّا نَطوفُ بالصَّفا والمَروةِ في الجاهليَّةِ، وإنَّ اللهَ أنزَلَ في القُرآنِ الطَّوافَ بالبَيتِ، فلم يَذكُرِ الصَّفا والمَروةَ؛ فهل علينا مِن إثْمٍ أنْ نَطوفَ بالصَّفا والمَروةِ؟ وإنَّما سَألوا عن ذلك بِناءً على ما ظَنُّوه مِن أنَّ التَّطوُّفَ بِهما مِن فِعلِ الجاهليَّةِ، فأنزَلَ اللهُ تعالَى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158]، قال أبو بَكرٍ: فأسمَعُ هذه الآيةَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} نزَلَتْ في الفَريقَيْنِ كِلَيْهما؛ في الأنصارِ الذين كانوا يَتحرَّجونَ، وقَومٍ مِنَ العَربِ الذين كانوا يَطوفونَ ثم تَحرَّجوا أنْ يَطوفوا في الإسلامِ.
وفي الحَديثِ: أهميَّةُ تَدارُسِ العِلمِ بَينَ العُلَماءِ وتَلاميذِهم؛ لِتَصويبِ المَفاهيمِ الخَطَأِ.