باب ومن سورة البروج2
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان، وعبد بن حميد، المعنى واحد، قالا: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر همس - والهمس في قول بعضهم تحرك شفتيه كأنه يتكلم - فقيل له: إنك يا رسول الله إذا صليت العصر همست؟ قال: " إن نبيا من الأنبياء كان أعجب بأمته فقال: من يقوم لهؤلاء؟ فأوحى الله إليه أن خيرهم بين أن أنتقم منهم وبين أن أسلط عليهم عدوهم، فاختاروا النقمة، فسلط عليهم الموت، فمات منهم في يوم سبعون ألفا
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رَحيمًا بأُمَّتِه مُشفِقًا يَخْشى عليهِم عَذابَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ صُهيبُ بنُ سِنانٍ رَضِي اللهُ عَنه: "كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إذا صلَّى العصرَ"، وفي روايةٍ: "الفجرَ"، "همَس- والهمسُ في قولِ بعضِهم: تحرُّكُ شفَتَيه كأنَّه يتَكلَّمُ"، أي: إنَّه يتكلَّمُ بكلامٍ خفيٍّ، فقيلَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّك يا رسولَ اللهِ إذا صلَّيتَ العصرَ همَسْتَ؟"، أي: يَستفهِمون عن سبَبِ هَمْسِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ نبيًّا من الأنبياءِ كان أُعجِبَ بأمَّتِه، فقال: مَن يقومُ لهؤلاءِ؟"، وفي روايةٍ: "أُعطِيَ جُنودًا مِن قَومِه؟ فقال: مَن يُكافِئُ هؤلاءِ؟"، أي: أُعجِبَ بهم وسَرَّتْه قوَّتُهم، يُشيرُ إلى أنَّه عند إعجابِه بهم لم يَعْزُ قوَّتَهم إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأوحى اللهُ إليه"، أي: إلى هذا النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "أنْ خيِّرْهم"، أي: اجعَلْ قومَك يَختارون بينَ: "أن أنتَقِمَ منهم"، أي: بالموتِ، "وبينَ أن أُسلِّطَ عليهم عَدُوَّهم"، أي: يُوقِعَ في صُفوفِهم القتلَ والهزيمةَ، وفي روايةٍ: "إمَّا أن أُسلِّطَ عليهم عَدُوًّا مِن غيرِهم، أو الجوعَ، أو الموتَ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فاختاروا النِّقمةَ"، أي: الموتَ، "فسَلَّط عليهم الموتَ"، أي: فعاقَبَهم بالموتِ، "فمات مِنهم في يومٍ سَبعون ألفًا".
وفي روايةٍ: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه رَضِي اللهُ عَنهم: "فهَمْسي الَّذي ترَوْن أنِّي أقولُ: اللَّهمَّ يا ربِّ، بك أُقاتِلُ، وبك أُصاوِلُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ"، أي: يُرجِئُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم حولَه وقوَّتَه إلى اللهِ عزَّ وجلَّ؛ خشيةَ أن يقَعَ في أمَّتِه مثلُ ما وقَع في أمَّةِ هذا النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي الحديثِ: الإرشادُ إلى نِسبةِ الأُمورِ إلى اللهِ تعالى والتبرُّؤِ من الحَولِ والقوَّةِ، خُصوصًا إذا رأى الإنسانُ ما يُعجِبُه في نفْسِه أو في غَيرِه.