باب: ومن سورة البقرة10
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت الزهري، يحدث عن عروة، قال: قلت لعائشة: ما أرى على أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئا، وما أبالي أن لا أطوف بينهما، فقالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، " طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون، وإنما كان من أهل لمناة الطاغية التي بالمشلل لا يطوفون بين الصفا والمروة، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} [البقرة: 158] ولو كانت كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما " قال الزهري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأعجبه ذلك، وقال: " إن هذا لعلم، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب يقولون: إن طوافنا بين هذين الحجرين من أمر الجاهلية، وقال آخرون من الأنصار: إنما أمرنا بالطواف بالبيت، ولم نؤمر به بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158] " قال أبو بكر بن عبد الرحمن: «فأراها قد نزلت في هؤلاء وهؤلاء»: «هذا حديث حسن صحيح»
كانَتِ العرَبُ قبلَ الإسلامِ تَموجُ في الجاهليَّةِ مَوجًا، وكانَتْ قد أدخَلَت في بعضِ مَناسكِ الحجِّ بعضَ عاداتِ الجاهليَّةِ تِلْك، فلمَّا جاءَ الإسلامُ أقَرَّ ما كان مِن مَناسكِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ، ومَنَع ما كان مِن عاداتِ الجاهليَّةِ وشَعائرِها.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ التَّابعيُّ الجليلُ عاصمٌ الأحوَلُ: "سَألتُ أنسَ بنَ مالكٍ عَنِ الصَّفا والمَرْوةِ"، أي: عَنِ السَّعيِ بينَ جبَلَيِ الصَّفا والمَروةِ؛ ما شَأنُهما وأمرُهما قبلَ الإسلامِ؟ فقال أنسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنْه: "كانَا مِن شَعائرِ الجاهليَّةِ"، أي: كان السَّعيُ بينَ الصَّفا والمروَةِ مِن شَعائرِ الجاهليَّةِ في الحجِّ؛ فكانوا يسعَوْن بينَهما ضِمْنَ تأديَةِ مَناسِكِ الحجِّ، "فلمَّا كان الإسلامُ أمسَكْنا عنهُما"، أي: فلمَّا ظهَر الإسلامُ وأسلَمْنا توَقَّفْنا عنِ السَّعيِ بينَ الصَّفا والمروَةِ؛ لئَلَّا نَفعَلَ مِثلَ المُشرِكينَ في فِعلِهم شِعائِرَهم الجاهليَّةَ، "فأنزَلَ اللهُ تبارَك وتَعالى قولَه: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، أي: إنَّ السَّعيَ بينَ الصَّفا والمروَةِ مِن شَعائرِ اللهِ وعِبادَتِه، وليس مِن شَعائرِ الجاهليَّةِ، فمَن أرادَ الحجَّ أو العُمرةَ فلا بأسَ علَيه أن يَسْعى بينَهما.
قال أنسٌ: "هُما تَطوُّعٌ"، أيِ: السَّعيُ بينَهما نافِلةٌ وليسَ فَريضةً، {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 158]، أي: ومَن سَعى بينَهما مُتطوِّعًا نافلةً فإنَّ اللهَ يَشكُرُ له عمَلَه ويُجازيه خيرًا، وهذا هو قولُ أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه، وقد اختُلِف في هذِه المسألةِ على ثلاثةِ أقوالٍ؛ وقول جمهور الفُقهاءِ وكثيرٍ مِن السَّلفِ أنَّ السَّعيَ رُكنٌ لا يَصِحُّ الحجُّ إلَّا به، وقيل: هو واجبٌ يُجبَرُ بدَمٍ، وقيل: إنَّه ليس برُكنٍ ولا واجبٍ، بل هو سُنَّةٌ ومُستحَبٌّ.
وفي الحديثِ: الحَثُّ على مُخالَفةِ المُشرِكين إلَّا فيما وافَق شَريعتَنا وأُمِرْنا به.