باب: ومن سورة المؤمنون2
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا مالك بن مغول، عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني، أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} [المؤمنون: 60] قالت عائشة: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: " لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا تقبل منهم {أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} [المؤمنون: 61] ". وروي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا
على المسلِمِ أن يَبْقى دائمًا في حذَرٍ مِن مَكرِ اللهِ تعالى، وألَّا يتَّكِلَ على الطَّاعاتِ والعباداتِ الَّتي يَعمَلُها وعلى قَبولِها؛ فهذا ممَّا لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ عزَّ وجلَّ، وفي هذا الحديثِ تقولُ عائشةُ زوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "سَألتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عن هذه الآيةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون: 60]، أي: يَفعَلون ما يَفعَلون مِن الأعمالِ وقلوبُهم خائفةٌ، قالت عائشةُ رَضِي اللهُ عَنها: "أهُمُ الَّذين يَشرَبون الخمرَ ويَسرِقون؟"، أي: ظنَّت عائشةُ رَضِي اللهُ عنها أنَّ المرادَ بالآيةِ أهلُ المعاصي، مِن شارِبي الخمرِ أو السَّارِقين، وأنَّهم يأتون بهذه الأفعالِ وفي قلوبِهم خوفٌ مِن عذابِ اللهِ، فقال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ"، أي: ليس المرادُ بهم أهلَ المعاصي، وفى هذا النِّداءِ مَنقَبةٌ عظيمةٌ لها ولأبيها، "ولكنَّهم الَّذين يَصومون ويُصلُّون ويتَصدَّقون"، أي: المرادُ بها أهلُ الطَّاعاتِ، "وهم يَخافون أنْ لا تُقبَلَ مِنهم"، أي: إنَّهم يَخشَوْن عدَمَ قَبولِها، {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]، أي: بدليلِ تلك الآيةِ الَّتي لا تَسْتقيمُ معَ ما ذكَرَت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها؛ فأولئك يُبادِرون إلى الأعمالِ الصَّالحةِ والإكثارِ مِنها بُغْيةَ قَبولِها منهم.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الإسراعِ في عمَلِ الطَّاعاتِ والازديادِ مِنها، مع الخَوفِ والشَّفقةِ مِن اللهِ تعالى.