‌‌باب ما جاء في الأربع قبل الظهر

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الأربع قبل الظهر

حدثنا بندار قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين»، وفي الباب عن عائشة، وأم حبيبة،: «حديث علي حديث حسن» حدثنا أبو بكر العطار قال: قال علي بن عبد الله، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان قال: «كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث»، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم: يختارون أن يصلي الرجل قبل الظهر أربع ركعات وهو قول سفيان الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يرون الفصل بين كل ركعتين وبه يقول الشافعي، وأحمد
‌‌

كان التَّابعونَ رحِمَهم اللهُ تعالى يَحرِصونَ كلَّ الحِرصِ على تَعلُّمِ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ عاصمُ بنُ ضَمْرَةَ: "سأَلْنا عليًّا عن صلاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، وفي رِوايةٍ: "عن تطوُّعِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالنَّهارِ"، أي: استفسَرْنا مِن عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه عن كَيفيَّةِ صَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم النَّوافلَ، قال: "أيُّكم يُطيقُ ذلكَ؟!"، أي: أيُّكم يَتحمَّلُ ذلكَ؛ وذلكَ لحِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على هذه الصَّلواتِ، فقال عاصمٌ: "قُلْنا: إن لم نُطِقْه سمِعْنا"، أي: إذا لم نَتحمَّلِ العمَلَ بكلِّه سمِعْنا، فعَمِلْنا بما نقدِرُ عليه.
قال عليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِي اللهُ عَنه: "كان إذا كانَتِ الشَّمسُ مِن هاهنا"، أي: إذا كانَتِ الشَّمسُ في ناحيةِ المشرِقِ "كهيئتِها مِن ها هنا عندَ العصرِ"، مِثلَما كانَتْ في ناحيةِ المغرِبِ في وقتِ العصرِ، "صلَّى ركعتينِ"، أي: صلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ركعتينِ، وهي صلاةُ الضُّحَى، "فإذا كانَتْ مِن هاهنا"، أي: كانَتِ الشَّمسُ مِن ناحيةِ المشرِقِ "كهيئتِها مِن هاهنا عندَ الظُّهرِ"، أي: مِقدارَ ارتفاعِ الشَّمسِ مِن ناحيةِ المغرِبِ وقتَ الظُّهرِ "صلَّى أربعًا"، أي: صلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أربعَ ركَعاتٍ، وتُسمَّى هذه الصَّلاةُ صلاةَ الأوَّابينَ؛ لِمَا في صحيحِ مُسلِمٍ عن زَيدِ بنِ أرقَمَ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "صلاةُ الأوَّابينَ حينَ تَرمَضُ الفِصالُ"، والأوابون الرجَّاعونَ إلى طاعةِ اللهِ مِن مُتابعةِ الهوَى، والفِصالُ هي الإبلُ الصِّغارُ، ومعنى قوله: "تَرمَضُ الفِصالُ": تَحترِقُ بالرَّمضاءِ وهي شِدَّةُ الحَرِّ؛ فإنَّ الضُّحَى إذا ارتَفَعَ في الصَّيفِ يَشتدُّ حرُّ الرَّمضاءُ، فتحترِقُ أخفافُ الإبلِ الصِّغارِ، وإنَّما أضافَ الصَّلاةَ في هذا الوقتِ إلى الأوَّابين؛ لأنَّ النَّفْسَ تَركُن فيه إلى الدَّعةِ والاستراحةِ؛ فصَرْفُها فيه إلى الطاعةِ والاشتغالِ بالصَّلاةِ رُجوعٌ مِن مُرادِ النَّفسِ إلى مَرْضاةِ الربِّ.
قال عليٌّ رَضِي اللهُ عَنه: "ويُصلِّي قبْلَ الظُّهرِ أربعًا"، أي: ويُصلِّي نافلةً قبْلَ صلاةِ الظُّهرِ أربعَ ركَعاتٍ، "وبعدَها ثِنْتَيْنِ"، أي: وبعدَ أداءِ فريضةِ الظُّهرِ يُصلِّي ركعتينِ، "ويُصلِّي قبْلَ العصرِ أربعًا"، أي: ويُصلِّي قبْلَ أداءِ فريضةِ العصرِ أربعَ رَكَعاتٍ، "يَفصِلُ بين كلِّ ركعتينِ بتسليمٍ على الملائكةِ المُقرَّبينَ والنَّبيِّينَ ومَن تَبِعَهم مِن المُؤمِنينَ والمُسلِمينَ"، أي: يَفصِلُ بين كلِّ رَكعتَينِ مِن الأربعِ ركَعاتٍ بالتَّسليمِ، أي: الخروجِ مِن الصَّلاةِ والتَّحلُّلِ منها، وقيل: بل المقصودُ بالتَّسليمِ هنا التَّشهُّدُ؛ فإنَّ فيه السَّلامَ على الملائكةِ وعلى عِبادِ اللهِ الصَّالحينَ؛ فقد جاء في رِوايةٍ أخرى قولُه: "يجعَلُ التَّسليمَ في آخِرِه"، أي: في آخِرِ الأربعِ ركَعاتٍ .