باب ما جاء في استلام الحجر، والركن اليماني دون ما سواهما
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا سفيان، ومعمر، عن ابن خثيم، عن أبي الطفيل، قال: كنت مع ابن عباس، ومعاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال له ابن عباس: «إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يستلم إلا الحجر الأسود، والركن اليماني»، فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورا وفي الباب عن عمر.: «حديث ابن عباس حديث حسن صحيح» والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: أن لا يستلم إلا الحجر الأسود، والركن اليماني "
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم حَريصِين أشدَّ الحِرصِ على اتِّباعِ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فكانوا يتَناصَحون ويُذكِّرون بعضَهم البعْضَ ببَيانِ سُنَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفي هذا الحَديثِ يُذكِّرُ ابنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما مُعاويَةَ رَضِي اللهُ عَنه بما كان يَفعَلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في طَوافِه مِن استِلامِ الرُّكنَينِ اليَمانِيَينِ، وفيه يقولُ الطُّفَيلُ: كنتُ مع ابنِ عبَّاسٍ، ومُعاويَةُ "لا يَمُرُّ برُكْنٍ"، أي: مِن أرْكانِ البيْتِ الحَرامِ وهو في الطَّوافِ، "إلَّا استلَمَه"، أي: كلَّما مَرَّ على رُكنٍ مِن أرْكانِ البيْتِ الحَرامِ الأربعَةِ مسَحَه بيَدِه، فقال له ابنُ عبَّاسٍ عِندَما رآه يَفعَلُ ذلك: "إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لَم يكُنْ "يستَلِمُ"، أي: يَلمَسُ ويمسَحُ بيَدِه "إلَّا الحَجَرَ الأسْوَدَ"، وهو في رُكْنِ الكعْبَةِ الَّذي يَلِي البابَ مِن جهَةِ المشرِقِ "والرُّكْنَ اليَمانِيَ"، أي: الرُّكْنَ الَّذي في جهَةِ اليمَنِ، ولَم يكنْ يستَلِمُ الرُّكنَينِ الآخَرَين، فقيل: لأنَّهما ليسَا على قَواعِدِ إبراهِيمَ عليه السَّلامُ، فقال مُعاوِيةُ لابنِ عبَّاسٍ: "ليسَ شيءٌ مِن البيْتِ مَهجُورًا"، والمقصُودُ مِن كلامِ مُعاوِيَةَ رَضِي اللهُ عَنه: أنَّ البيْتَ كلَّه يَنبغِي أنْ يُعظَّمَ ولا يُهجَرَ.
وفي زِيادةٍ عند الإمامِ أحمَدَ: "فقال ابنُ عبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، فقال مُعاوِيَةُ: صدَقْتَ".
فيكونُ الحاصِلُ أنَّ الكعْبَةَ كلَّها وما فيها مُقدَّسةٌ ومُطهَّرةٌ، وهي البيْتُ الحَرامُ، ولكنِ اتِّباعُ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيما يُستلَمُ أو يُقبَّلُ منها هو الأَوْلى والأَفْضلُ.