باب: ومن سورة المجادلة2
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: حدثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك، أن يهوديا أتى على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقال: السام عليكم، فرد عليه القوم، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «هل تدرون ما قال هذا؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، سلم يا نبي الله. قال: «لا ولكنه قال كذا وكذا، ردوه علي»، فردوه قال: " قلت: السام عليكم؟ " قال: نعم. قال نبي الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: " إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا: عليك ما قلت "، قال: {وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله}: «هذا حديث حسن صحيح»
علَّمَنا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف نتعامَلُ مع اللِّئامِ من أهْلِ الكتابِ الَّذين يُحرِّفون الكلِمَ الصَّحيحَ إلى الخطأِ.
وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لبعضِ ذلك؛ فيُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ يَهوديًّا أتى على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابِه، فقال: السَّلامُ عليكم" وهذا ما ظنُّوا أنَّه قاله بسماعِهم، "فرَدَّ عليهِ القومُ، فقال نَبِيُّ اللهَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: هلْ تَدْرون ما قال هذا؟"، أي: ما قاله على الحَقيقةِ وليس بالتَّوهُّمِ منكم أنَّه سلَّمَ، فقال الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم: "اللهُ ورسولُه أعلمُ، سلَّمَ يا نبِيَّ اللهِ"، أي: أنَّه سلَّمَ علينا وألْقى السَّلامَ كما نظُنُّ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا، ولكنَّهُ قال كذا وكذا، رُدُّوهُ عليَّ"، أي: أمَرَهم صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ يأْتوا باليهوديِّ الَّذي سلَّمَ، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فرَدُّوهُ"، أي: فجاؤوا به إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسألَ اليهوديَّ عن قولِه: "قلْتَ: السَّامُ عليكُم؟ فقال اليهوديُّ: نعَمْ"، والسَّامُ هو الموتُ، فيكونُ ما قاله اليَهوديُّ من بابِ الدُّعاءِ على المُسلِمين بالموتِ، قال أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه: "قال نبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عندَ ذلك"، أي: عندما أكَّدَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ظنَّه بقولِه، "إذا سلَّمَ عليكُم أحدٌ من أهلِ الكتابِ"، وأهْلُ الكتابِ تشمَلُ اليهودَ والنَّصارى، "فقولوا: عليكَ ما قلْتَ"؛ فيكونُ ذلك رَدًّا عليه بمثْلِ ما قال، "قال"، أي: فنزَلَت تلك الآيةُ: {وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} [المجادلة: 8]"، أي: يلْوُون به ألسِنتَهم، فيَلْبِسونَ في تحيَّتِهم السَّلامَ بالسَّامِ، ويُحرِّفون الكلامَ عن اللَّفظِ الَّذي شرَعَه اللهُ، وقد اكتَفَى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بتَوجيهِ أصحابِه في مُعاملةِ أهْلِ الكِتابِ أنْ يكونَ الرَّدُّ على القدْرِ الَّذي جاؤوا به؛ فإنَّ المُؤمنَ ليس بالفاحشِ ولا بالبذيءِ حتَّى يرُدَّ عليهم بلفْظٍ أفحَشَ منه، كما في الصَّحيحينِ من حديثِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها قالت: "استأذَنَ رَهْطٌ من اليهودِ على رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقالوا: السَّامُ عليكم، فقالت عائشةُ: بلْ عليكم السَّامُ واللَّعنةُ، فقال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عائشةُ، إنَّ اللهَ يحِبُّ الرِّفقَ في الأمْرِ كلِّه، قالت: ألَمْ تسمَعْ ما قالوا؟ قال: قد قلْتُ: وعليكم"!.