‌‌باب ومن سورة تبت

سنن الترمذى

‌‌باب ومن سورة تبت

حدثنا هناد، وأحمد بن منيع قالا: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فنادى: «يا صباحاه»، فاجتمعت إليه قريش، فقال: «إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أرأيتم لو أني أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني؟» فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبا لك، فأنزل الله: {تبت يدا أبي لهب وتب} [المسد: 1]: «هذا حديث حسن صحيح»

كانت دَعْوَةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سِرًّا في بِدايةِ الأمرِ، إلى أنْ أَمَرَه اللهُ سُبحانه وتعالَى بالجَهْر بالدَّعْوَةِ فقال: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94].
ومِن جَهْرِه بالدَّعوةِ وتَبليغِه إيَّاها ما يُخبِرُ به عبدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّه لَمَّا نَزَل قولُه تعالَى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214]، فأمَرَ اللهُ سُبحانه نبيَّه أنْ يَذهَبَ لِإبلاغِ الدَّعوةِ لقَرابتِه، وهُم قُريشٌ، وهُم آلُ عَبدِ المُطَّلبِ، وآلُ هاشِمٍ، وآلُ عَبدِ مَنافٍ، وقُصَيٌّ، صَعِد النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على جَبَلِ الصَّفَا عند البيتِ الحرامِ، ونَادَى: «يا بَنِي فِهْرٍ، يا بَنِي عَدِيٍّ؛ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ»، والبَطْنُ: أَقَلُّ مِن القَبِيلةِ، فاجْتَمَعوا عندَه، ومَنْ لم يَستطِعِ المَجِيءَ أَرْسَلَ رسولًا لِيَرَى ما الأَمْرُ، وما الذي يُرِيد أنْ يُخبِرَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا اجتَمَعوا وجاء أبو لَهَبٍ وقُرَيْشٌ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لو أخبرتُكم أنَّ جَيْشًا يُريد أن يَهجُمَ عليكم؛ فهلْ كُنتُم تُصدِّقونني؟ فقالوا: نَعَمْ، وأَقرُّوا بصِدْقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقالوا: ما جَرَّبْنا عليك إلَّا صِدقًا، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «فإنِّي نَذِيرٌ لكم» من اللهِ «بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَديدٍ»، فأُحَذِّرُكم ما أنتم عليه من الكُفرِ قبل وقوعِ العَذابِ الشَّديدِ بكم، فلما سَمِعَه عَمُّه أبو لَهَبٍ قال له: «تَبًّا لك سَائِرَ اليومِ!» أي: خَسِرْتَ بقيَّةَ اليومِ؛ «أَلِهَذَا جَمَعْتَنا؟!» فكان ممَّن أعْرَضَ عن دَعوةِ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأنزَل اللهُ تعالَى فيه سُّورةَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}، أي: خَسِرَتْ يَداه وخابَتْ، وخَسِرَ هو، وقيل: (تبَّ) الأوَّل دُعَاءٌ، وَالثَّانِي خبَرٌ، مِثل: أهْلَكَه الله وَقد هَلَك.
وفي الحَديثِ: بَيانُ سَببِ نُزولِ سُورةِ المَسَدِ.
وفيه: أنَّ على الرَّسولِ الدَّعوةَ وأنَّ الهدايةَ مِنَ اللهِ.