باب: ومن سورة حم عسق
سنن الترمذى
حدثنا بندار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت طاوسا، قال: سئل ابن عباس، عن هذه الآية، {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} [الشورى: 23] فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال: «إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة»: «هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن ابن عباس»
أوْحى اللهُ تعالَى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا الكِتابَ الشَّريفَ، وأمَرَه بالبِلاغِ، ومِن ذلك قولُه تعالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]، يَعْني: لا أسْألُكم على تَبْليغي للرِّسالةِ المالَ والجاهَ، ولا نَفعًا عاجلًا ولا مَطلوبًا حاضرًا، ولكنْ أسأَلُكم أنْ تَوَدُّوا قَرابَتي الَّذين همْ قَرابَتُكم ولا تُؤْذوهم، وقد فسَّرَها التَّابِعيُّ سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ فقال: «قُرْبى مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ»، فحمَلَ الآيةَ على أمْرِ المُخاطَبينَ بأنْ يُوادُّوا أقارِبَه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو عامٌّ لجَميعِ المُكلَّفينَ، فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما لسَعيدٍ: «عجِلْتَ»، أي: أسْرَعتَ في تَفْسيرِها، كما في رِوايةٍ أُخْرى للبُخاريِّ؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان له في كُلِّ بَطنٍ مِن بُطونِ قُرَيشٍ قَرابةٌ، فكانت صِلةُ قَرابتِه هي صِلةُ قَرابتِهم.
ولكنْ فسَّرَها ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما تَفْسيرًا آخَرَ: «إلَّا أنْ تَصِلوا قَرابةَ بيْني وبيْنكم»؛ فحَمَل الآيةَ على أنْ تُوادُّوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أجْلِ القَرابةِ الَّتي بيْنه وبيْنَكم، فهي خاصَّةٌ بقُرَيشٍ، ويُؤَيِّدُ ذلك أنَّ السُّورةَ مكِّيَّةٌ.
والضَّميرُ في قولِه: «فنَزلَتْ» للآيةِ المَسؤولِ عنها، وهي قَولُه تعالَى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، وقَولُه: «إلَّا أنْ تَصِلوا قَرابةً بيْني وبيْنَكم»، مِن كَلامِ ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما، تَفْسيرًا لها، وليست قِراءةً نُسِخَت.
وفي الحَديثِ: بَيانُ أدَبِ الاخْتِلافِ بيْنَ العُلماءِ.
وفيه: تَعليمُ الصَّحابةِ للتَّابِعينَ، وتَصويبُهم لمَا أخْطؤوا فيه.