بقية حديث عبد الله بن أبي أوفى، عن النبي صلى الله عليه وسلم 28
مستند احمد
حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، حدثني سعيد بن جمهان قال: كنا نقاتل الخوارج وفينا عبد الله بن أبي أوفى وقد لحق غلام له بالخوارج، وهم من ذلك الشط، ونحن من ذا الشط، فناديناه أبا فيروز أبا فيروز، ويحك هذا مولاك عبد الله بن أبي أوفى؟ قال: نعم الرجل هو لو هاجر. قال: ما يقول عدو الله، قال: قلنا: يقول: نعم الرجل لو هاجر. قال: فقال: أهجرة بعد هجرتي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طوبى لمن قتلهم وقتلوه»
حذَّرَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مِن البِدَعِ والغُلوِّ في الدِّينِ؛ لأنَّ ذلك يُؤدِّي إلى إفسادِ المجتمَعاتِ، وربَّما أدَّى التَّشدُّدُ مع عدَمِ الفقهِ في الدِّينِ إلى تَبْديعِ وتكفيرِ المجتمَعاتِ المسلِمةِ، والخروجِ على الحُكَّامِ بغيرِ وَجهِ حقٍّ
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يَخرُجُ في آخِرِ الزَّمانِ قومٌ أحداثُ الأسنانِ"، أي: صِغارُ السِّنِّ، "سفهاءُ الأحلامِ"، أي: عقولُهم غيرُ ناضجةٍ، بلْ فيها سَفهٌ وخِفَّةٌ، "يَقْرَؤون القرآنَ بألْسِنَتِهم، لا يُجاوِزُ تَراقِيَهم" والتَّراقي: جمعُ تَرْقُوَةٍ، وهو عَظْمٌ واصِلٌ ما بينَ ثُغْرةِ النَّحْرِ والعاتِقِ، وفي روايةٍ: "لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم"، ومعناهُ: أنَّ قومًا ليس حَظُّهم مِن القرآنِ إلَّا مُرورَه على اللِّسانِ، فلا يُجاوِزُ تَراقِيَهم لِيَصِلَ قُلوبَهم، والمرادُ أنَّ الإيمانَ لم يَرسَخْ في قُلوبِهم، "يقولونَ مِن قولِ خيرِ البَرِيَّةِ، يَمرُقون مِن الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّميَّةِ"، أي: يَخْرُجون مِن مِلَّةِ الإسلامِ سريعًا، ولا يتعَلَّقونَ مِنه بشَيءٍ، مِثْلُ السَّهْمِ القويِّ السَّريعِ الَّذي يَنْفُذُ في الصَّيدِ، ومِن قُوَّتِه وسُرْعتِه لا يكونُ فيه أثرٌ مِن دَمٍ أو لَحْمٍ، وكأنَّ هذا الشَّخصَ خرَجَ مِن الدِّينِ، وليس فيه أثرٌ منه، ولم تَنفَعْه عِبادتُه السَّابقةُ، "فمَن لَقِيَهم فلْيَقتُلْهم"، أي: يُقاتِلْهم مع الإمامِ والوالي، "فإنَّ في قَتْلِهم أجرًا عظيمًا عندَ اللهِ لمَن قتَلَهم"، وفي روايةٍ مُبيِّنةٍ للأجْرِ مِن حديثِ أبي سعيدٍ وأنسٍ رضِيَ اللهُ عنهما عندَ أبي داودَ، قال: "طُوبى لِمَنْ قَتَلَهم وقَتَلوهُ"، أي: الجَنَّةُ لِمَنْ حارَبَهم فقَتَلَهم، أو قَتَلوهُ
وفي هذا الحديثِ: بيانُ أنَّ الأعمالَ بالنِّيَّاتِ، وأنَّ كثرةَ الأعمالِ والعِبادةِ ليستْ دليلًا على الإيمانِ
وفيه: أنَّ الإعجابَ بالنَّفسِ وبالعملِ ربَّما أدَّى إلى الإسراعِ في الخروجِ مِن الدِّينِ
وفيه: إرشادٌ إلى أنَّ العملَ القليلَ الدَّائمَ خيرٌ مِن الكثيرِ المُؤدِّي إلى الغرورِ والإعجابِ بالنَّفسِ