بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم 12
مستند احمد
حدثنا يحيى بن إسحاق، قال: حدثنا ليث بن سعد، عن [ص:352] يزيد بن أبي حبيب، عن علي بن رباح، قال: سمعت عمرو بن العاص، يقول: " لقد أصبحتم، وأمسيتم، ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه: أصبحتم ترغبون في الدنيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من دهره إلا كان الذي عليه أكثر مما له، قال: فقال له بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسلف
الزُّهدُ في الدُّنيا مِمَّا رَغَّبَت فيه الشَّريعةُ، ومَن أرادَ محبَّةَ اللهِ فليَزهَدْ في الدُّنيا، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ازهَدْ في الدُّنيا يُحِبَّك اللهُ. ويَكونُ الزُّهدُ فيها بالتَّقَلُّلِ مِن زَهرَتِها ومَفاتِنِها وشَهَواتِها، وأهلُ الزُّهدِ هم خَيرُ النَّاسِ عِندَ اللهِ تعالى مِن أصحابِ الدُّنيا، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن أزهَدِ النَّاسِ في الدُّنيا، فكان لا يَجِدُ قوتَ يَومِه، وكان يَستَلِفُ الطَّعامَ لأهلِه، حَتَّى إنَّه توفِّيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ودِرعُه مَرهونةٌ عِندَ أحَدِ اليَهودِ مِن أجْلِ طَعامٍ أخَذَه لأهلِه! ولَكِنَّ النَّاسَ تَغَيَّروا بَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفُتِحَت لهمُ الدُّنيا، فأقبَلوا عليها وحَرَصوا عليها؛ ولهذا لمَّا رَأى عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه إقبالَ النَّاسِ على الدُّنيا قال لهم: لَقد أصبَحتُم وأمسَيتُم تَرغَبونَ، أي: تَطلُبونَ، فيما كان رَسولُ اللهِ يَزهَدُ فيه، أي: الدُّنيا والدِّينارِ والدِّرهَمِ، أصبَحتُم تَرغَبونَ في الدُّنيا، وكان رَسولُ اللهِ يَزهَدُ فيها. ثُمَّ ذَكَرَ بَعضَ أحوالِ زُهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: واللهِ ما أتَت على رَسولِ اللهِ لَيلةٌ مِن دَهرِه، أي: مِن أيَّامِه، إلَّا كان الذي عليه، أي: مِنَ الدَّينِ، أكثَرَ مِنَ الذي له، أي: عِندَه؛ وذلك لعَدَمِ حِرصِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الدُّنيا، ولَو أرادَها لأُعطِيَها، ولَكِنَّه أرادَ الآخِرةَ. فلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ قَولَ عَمرٍو هذا قال له بَعضُ أصحابِ رَسولِ اللهِ تَصديقًا لكَلامِه: قد رَأينا رَسولَ اللهِ يَستَسلِفُ، أي: أنَّه كان يَقتَرِضُ المالَ لطَعامِ أهلِه، ولا يوجَدُ لَدَيه مالٌ
وفي الحَديثِ بَيانُ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان أزهَدَ النَّاسِ في الدُّنيا
وفيه حِرصُ النَّاسِ بَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الدُّنيا
وفيه مَشروعيَّةُ القَرضِ