بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم 18
مستند احمد
حدثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة، أن عمرو بن العاص، قال: لما ألقى الله عز وجل في قلبي الإسلام، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعني، فبسط يده إلي، فقلت: لا أبايعك يا رسول الله حتى تغفر لي ما تقدم من ذنبي، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمرو أما علمت أن الهجرة تجب ما قبلها من الذنوب، يا عمرو أما علمت أن الإسلام يجب ما كان قبله من الذنوب»
كان الصَّحابيُّ عَمرُو بنُ العاصِ رَضيَ اللهُ عنه مِن الأذْكياءِ الَّذين يَعلَمونَ مَعاليَ الأُمورِ، وكَيفيَّةَ الوُصولِ إليها في الجاهليَّةِ والإسْلامِ، ومِن ذلك ما يَرْويه
في هذا الحَديثِ عن بِدايةِ إسْلامِه، وأنَّه لمَّا ألْقى اللهُ عزَّ وجلَّ في قَلبِه الهِدايةَ وتَرْكَ الشِّركِ، وأرادَ الدُّخولَ في الإسْلامِ؛ ذَهَب إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليُبايعَه على الدُّخولِ في الإسْلامِ، والمُبايَعةُ: هي المُعاهَدةُ، مَأخوذةٌ مِن البَيعِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ مِن المُتبايِعَيْنِ كان يمُدُّ يَدَه إلى صاحبِه، وكذا هذه البَيعةُ تكونُ بأخْذِ الكفِّ، والمَقصودُ هنا المُعاهَدةُ على الإسْلامِ والسَّمعِ والطَّاعةِ، فمَدَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يدَه ليأخُذَ مِن عَمرٍو العَهدَ على ذلك، فقال عَمرٌو رَضيَ اللهُ عنه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا أُبايعُكَ يا رسولَ اللهِ حتَّى تَغفِرَ لي ما تَقدَّمَ مِن ذَنْبي»، وهذا مِن حُسنِ عَقْلِ المَرءِ إذا دَخَل في أمرٍ جَديدٍ، فيَشتَرِطُ لنفْسِه أفضَلَ الشُّروطِ، وهنا ردَّ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ الهِجرةَ إلى اللهِ ورَسولِه مِن أماكنِ الشِّركِ والكُفرِ، إلى مَواطِنِ الإسْلامِ والإيمانِ؛ تجُبُّ ما قبْلَها مِن الذُّنوبِ فتَمْحوها، وأنَّ الإسْلامَ يَمْحو ما كان قبْلَه منَ الذُّنوبِ الَّتي كانت في الكُفرِ والشِّركِ، وهذا مِصداقُ قَولِه تعالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]
وهذه الأمورُ كلُّها مِن فَضلِ اللهِ على عِبادِه، ولحَثِّهم على الدُّخولِ في الإسْلامِ، وتَرْكِ الشِّركِ كلِّه، والبُعدِ عن كلِّ ما فيه مَظِنَّةٌ للمُنكَراتِ، وما يُغضِبُ اللهَ سُبحانه