بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم 9

مستند احمد

بقية حديث عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم 9

 حدثنا حسن بن موسى، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا يزيد بن أبي حبيب، عن عمران بن أبي أنس، عن عبد الرحمن بن جبير، عن عمرو بن العاص أنه قال: لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل، قال: فاحتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي [ص:347] صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: «يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟» قال: قلت: نعم يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله عز وجل {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29] فتيممت، ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمؤمِنينَ رَؤوفًا رَحيمًا كما وَصَفَه ربُّه الكريمُ في كتابِه العظيمِ، ولا أَدَلَّ على ذلك مِنْ سِيرتِه مَعَ النَّاسِ ومع أصحابِه
وفي هذا الحديثِ يقولُ عَمرُو بنُ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنه "احْتَلَمتُ"، أي: أصابَتْني جَنابةٌ "في ليلةٍ باردةٍ في غَزوةِ ذاتِ السَّلاسِلِ"، وسُمِّيتْ هذه الغَزوةُ بذلك؛ لأنَّ المُشْركينَ رُبِطَ بَعضُهم إلى بعضٍ مَخافةَ أنْ يَفِرُّوا، "فأَشْفقتُ"، أي: خِفْتُ، "إنِ اغْتَسَلتُ" غُسْلَ الجنابةِ، "أنْ أَهْلِكَ"، أي: أَمْرَضَ أو أموتَ مِنْ شِدَّةِ البَرْدِ، "فتيمَّمتُ"، أي: مَسَحْتُ وجْهي ويَدَيَّ بالتُّرابِ، "بَدَلَ الغُسْلِ"؛ لعَدَمِ القُدْرةِ على اسْتِعمالِ الماءِ، "ثُمَّ صَلَّيتُ بأصحابِيَ الصُّبْحَ"، أي: صلاةَ الصُّبْحِ
قال: "فذَكَروا ذلك"، أي: بَعْدَ رُجوعِهم مِنَ الغزوِ إلى المدينةِ "للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال"، أي: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يا عمرُو، صلَّيتَ"، أي: أصلَّيتَ "بأصحابِكَ وأنتَ جُنُبٌ؟"، أي: حال كونِكَ جُنُبًا، "فأَخْبرتُه"، أي: أَخْبَرتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، "بالَّذي مَنَعَني مِنَ الاغْتِسالِ" وهو خوفُ الهلاكِ، "وقلتُ" مُسْتَدِلًّا بالآيةِ: "إنِّي سَمِعتُ اللهَ يقولُ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فضَحِكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"؛ إقرارًا لفَهْمِه ولِفِعْلِه، "ولَمْ يَقُلْ شيئًا"
وفي الحديث: بيانُ مَظهرٍ مِن مظاهرِ التَّخفيفِ الذي جاءتْ به الشريعةُ