حديث أبي موسى الأشعري 67

مستند احمد

حديث أبي موسى الأشعري 67

 حدثنا يحيى هو ابن سعيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، أن أبا موسى استأذن على عمر رضي الله عنه ثلاث مرات فلم يأذن له. فرجع فقال: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس آنفا؟ قالوا: بلى. قال: فاطلبوه. قال: فطلبوه. فدعي. فقال [ص:352]: ما حملك على ما صنعت؟ قال: «استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت. كنا نؤمر بهذا» . فقال: لتأتين عليه بالبينة أو لأفعلن. قال: فأتى مسجدا أو مجلسا للأنصار فقالوا: لا يشهد لك إلا أصغرنا. فقام أبو سعيد الخدري: فشهد له فقال عمر رضي الله عنه: خفي هذا علي من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألهاني عنه الصفق بالأسواق "

كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم يَمْتثِلونَ أَمْرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ويَلْتَزِمونَ بِآدابِ الإسلامِ، وقد سَطَّروا في ذلك أرْوَعَ المواقِفِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ التابعيُّ عُبيدُ بنُ عُميرٍ أنَّ أبا مُوسَى عبدَ اللهِ بنَ قَيْسٍ الأَشْعَريَّ رَضيَ اللهُ عنه، اسْتأذَنَ ثَلاثًا كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ- للدُّخولِ عَلَى الخليفةِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، فلمْ يُؤذَنْ له؛ لِانشغالِ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه، فلمَّا فَرَغَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه أَمَرَ بإدخالِهِ، فقيل له: إنَّه قد رَجَعَ، فلمَّا دَعاهُ واسْتَفْهمَ مِنه عن سَبَبِ عدَمِ انتظارِهِ، أخْبَرَهُ أنَّ هذا هو ما كان يَأمُرُ به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الصَّحابَةَ؛ فقد قال -كما في الصحيحين-: «إذا استأذَنَ أحدُكم ثَلاثًا فلمْ يُؤذَنْ له فلْيرجِعْ»، فتَعَجَّبَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه مِن خَفَاءِ هذا الأَمْرِ البَيِّنِ عليه مع مُلازَمَتِهِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَضَرًا وسَفرًا، وخَشِيَ أنْ يكونَ أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه قد وَهِمَ، فَطالَبَه بإحْضارِ مَن يَشْهدُ معه بهذه السُّنَّةِ؛ حتَّى لا يَستَهينَ النَّاسُ في نِسْبَةِ شَيءٍ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فانْطَلَقَ أبو مُوسى وذَهَب إلى مَجْلِسِ الأنْصارِ، فطَلَبَ منهم مَن يَشهَدُ معه على صِحَّةِ نِسبةِ هذا الحديثِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَمَّا كان هذا الأمرُ مَعروفًا مَشْهورًا بيْن الأنصارِ أَرسَلوا مع أبي مُوسَى رَضيَ اللهُ عنه أَحَدَ صِغارِ الصَّحابةِ رِضْوانُ اللهِ عليهم، وهو أبو سَعِيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه، فذَهَبَ معه إلى عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنه وشَهِدَ بصِحَّةِ نِسبةِ هذا الحديثِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا عَلِمَ عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه بصِحَّةَ هذه السُّنَّةِ، مع أنَّها مِن السُّننِ الظَّاهرةِ؛ أَرجَعَ سَببَ خَفَائِها عليه إلى كَونِه انشَغَلَ بالتِّجارةِ والصَّفْقِ بالأسواقِ، والصَّفْقُ هو: ضَرْبُ اليَدِ على اليَدِ عند البَيْعِ
وفي الحَديثِ: ضَرورةُ التَّحَرِّي في نِسبةِ الأقوالِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفيه: أنَّ قولَ الصَّحابيِّ: «كُنَّا نُؤمَرُ»، المرادُ به: أَمْرُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم
وفيه: عَمَلُ كِبارِ الصَّحابةِ بالتِّجارةِ والتَّكَسُّبِ لمَعاشِهم
وفيه: خُضوعُ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم لِمَا ثَبَتَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقَبولُهم له
وفيه: أنَّ الرَّجُلَ العَالِمَ قد يُوجَدُ عِندَ مَن هو دونَه في العِلْم ما ليس عِندَه