حديث أبي موسى الأشعري 66
مستند احمد
حدثنا يحيى، عن عثمان بن غياث، حدثنا أبو عثمان، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هل أدلكم على كنز من كنوز الجنة؟» أو «ما تدري ما كنز من كنوز الجنة؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله»
الذِّكْرُ له فَوائِدُ عَظيمةٌ لا تُحْصَى، ويَكْفِي منها أنَّ من الذِّكْرِ ما يكونُ من الباقِياتِ الصالِحاتِ في الآخِرَةِ، وأنَّها كَنْزُ الجِنانِ وغَرْسُها؛ ولذلك حثَّنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الإكَثارِ من الذِّكْرِ
كما في هذا الحديثِ الذي يقولُ فيه أبو هُرَيْرةَ رضِيَ اللهُ عنه: "كُنْتُ أَمْشي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِهِ وسلَّمَ في نَخْلٍ لبعْضِ أهْلِ المَدِينَةِ، فقال: يا أبا هُرَيْرَةَ هَلَكَ المُكْثِرونَ"، أي: الذين يُكْثِرون من جَمْعِ الأمْوالِ ولا يُنْفِقون ما زادَ عن حاجَتِهِم في سُبُلِ الخيْرِ، "إلَّا مَنْ قال هكذا وهكذا وهكذا -ثلاثَ مرَّاتٍ- حَثَى بكَفِّهِ عن يَمينِهِ وعن يَسارِهِ وبين يَديْهِ"، أي: إلَّا مَنْ يُخرِجُ من مالِهِ دُونَ حِسابٍ ويُعْطي بكَفَّيْهِ ويَدَيهِ، "وقليلٌ ما هُمْ"، أي: أنَّ مَن يَفعَلُ ذلك ويَسْتَجيبُ لهذا المَعْنى قليلٌ، "ثم مَشَى ساعَةً؛ فقال: يا أبا هُريْرَةَ ألَا أَدُلُّك على كَنْزٍ من كُنوزِ الجنَّةِ"، أي: أجْرُها مُدَّخَرٌ لقائِلِها، والمُتَّصِفِ بها كما يُدَّخَرُ الكَنْزُ، وهو المالُ المجموعُ، أو أنَّها من ذَخائِرِ الجنَّةِ، ومُحصَّلاتِ نَفائِسِها؛ وذلك أنَّ قوْلَها يَحْصُلُ به الثَّوابُ العظيمُ؛ فتَنْفَعُ صاحِبَها يوْم لا يَنْفَعُ مالٌ ولا بَنُونَ "فقلتُ: بَلَى يا رسولَ اللهِ قال: قُلْ لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللهِ"، أي: لا قُوَّةَ لي على الطاعَةِ إلا بتَوْفيقِ اللهِ تَعالَى، أو المعنى: لا حَرَكَةَ ولا حِيلَةَ، ولا قُوَّةَ ولا اسْتِطاعَةَ إلَّا باللهِ، أي: بِمَشيئَةِ اللهِ تعالى وإرادَتِه وقُدْرَتِه، وقيل: معناهُ: لا حَوْلَ في دَفْعِ شَرٍّ، ولا قُوَّةَ في تَحْصيلِ خَيرٍ إلَّا باللهِ، وقيل: لا حَوْلَ عن مَعْصِيَةِ اللهِ إلَّا بِعِصْمَتِهِ، ولا قُوَّةَ على طاعَتِهِ إلَّا بمَعونَتِهِ؛ فهي كلِمةُ اسْتِسْلامٍ وتَفْويضٍ إلى اللهِ تَعالَى، وإذْعانٍ واعترافٍ له بأنَّه لا خالِقَ غيرُه، ولا ربَّ سِواهُ، ولا رَادَّ لأَمْرِهِ، ولا مُعقِّبَ لحُكْمِهِ، وأنَّ العبدَ لا يملِكُ شيئًا، وأنَّ اللهَ مالِكُ عبادِهِ، يَفْعَلُ فيهم كُلَّ ما أرادَهُ
"ولا مَلْجَأَ "، أي: لا خَلاصَ ولا مَفَرَّ ولا مَهْرَبَ، "مِنَ اللهِ إلَّا إليه "، أي: من عِقابِهِ وسَخَطِهِ، إلَّا إلى اللهِ وبالاسْتِعانَةِ به "ثُمَّ مَشَى ساعَةً فقال: يا أبا هُرَيْرَةَ هل تَدْري ما حَقُّ الناسِ على اللهِ؟"، أي: الحقُّ الذي أحَقَّهُ اللهُ وتَكَفَّلَ لهم بِهِ، وهو جَديرٌ بإنفاذِه لهم، وقيل: حَقُّ العِبادِ على اللهِ تَعالَى ما وَعَدَهُم به، ومِن صِفَةِ وَعْدِهِ أنْ يكونَ واجِبَ الإنجازِ، فهو حقٌّ بوَعْدِهِ الحَقِّ، "وما حَقُّ اللهِ على الناسِ؟"، أي: الحقُّ الواجِبُ عليهم أنْ يُؤَدُّوهُ للهِ كما أَمَرَهُم به "قُلتُ: اللهُ ورسولُهُ أعْلَمُ، قال: فإنَّ حقَّ اللهِ على الناسِ أنْ يَعْبُدوهُ ولا يُشْرِكوا به شيئًا؛ فإذا فَعَلوا ذلك؛ فحَقٌّ عليه أنْ لا يُعذِّبَهُم"، أي: لا يُعذِّبُ في الآخِرَةِ مَن يَعْبُدُه ولا يُشرِكُ به، والعِبادَةُ عَمَلُ الطاعاتِ واجْتِنابُ المَعاصي، وعَطَفَ عليها عَدَمَ الشِّرْكِ؛ لأنَّه تمامُ التَّوحيدِ، والحِكْمَةُ في عَطْفِهِ على العِبادَةِ أنَّ بعْضَ الكَفَرَةِ كانوا يَدَّعون أنَّهم يَعْبُدون اللهَ، ولكنَّهم كانوا يَعْبُدون آلِهَةً أُخرى؛ فاشْتَرَطَ نَفْيَ ذلك
وفي الحَديثِ: الحثُّ على الإكْثارِ من ذِكْرِ اللهِ تعالى
وفيه: تَكرارُ المُعلِّمِ أو الواعِظِ النِّداءَ؛ لتَأْكيدِ الاهْتِمامِ بما يُخبِرُ به، وليُكَمِّلَ تنبُّهَ المُتعلِّمِ فيما يَسْمَعُه