بيع التمر بالتمر
سنن النسائي
أخبرنا واصل بن عبد الأعلى قال: حدثنا ابن فضيل، عن أبيه، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والملح بالملح يدا بيد، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، إلا ما اختلفت ألوانه»
أحلَّ اللهُ لعِبادِهِ الطَّيِّباتِ، وحرَّمَ عليهِمُ الخَبائِثَ مِن كُلِّ شَيءٍ، وفي كُلِّ شَيءٍ؛ مِنَ المَطْعَمِ والمَشْرَبِ، والمَكْسَبِ والتِّجارَةِ
وفي هذا الحديثِ يروي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ رضي الله عنه خَطَبَ ذاتَ يومٍ علَى مِنْبَرِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذكر الأصنافَ الَّتي يكونُ منها الخمرُ، وهي العِنَبُ أو الزَّبيبُ، والتَّمرُ، والحِنطةُ -وهي القمحُ- والشَّعيرُ، والعسلُ، وهذا يدلُّ على أنَّ الخمرَ لا تكونُ مِن العِنَبِ فقطْ، كما زعَم البعضُ، بلْ إنَّ لها أصنافًا كثيرةً، ذكَر عمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ الله عنه منها في هذا الحديثِ خمْسةً، ثمَّ ألْحَقَ بها كلَّ ما خامَرَ العقلَ مِن شَرابٍ، أي: غطَّاه وأذهَبَ عنه إدراكَه، وجعَله خمْرًا إذ كان في معْناها؛ لِمُلابستِه العقلَ، ومُخامَرتِه إيَّاه
ثمَّ بَيَّن عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه أنَّه كان يَرْجو أنْ يُبيِّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضَ المسائِلِ الَّتي وقَع فيها الاختلافُ، ولم تُحسَمْ بشَكلٍ قاطعٍ، وهي: مِيراثُ الجَدِّ؛ فقد وقَعَ الخلافُ بيْن الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم هل يُحجَبُ الأخُ، أو يُحجَبُ به أو يقاسِمُه؟
والكَلالةُ، وقد وقَعَ الخلافُ أيضًا بيْن الصَّحابةِ في تَفسيرِها، ومِن أشهَرِ ما قيل فيها: أنَّ الكلالةَ هو مَن مات بلا ولدٍ، وقيل: بلا والدٍ ووَلدٍ
وأبوابٌ مِن أبوابِ الرِّبا، ويَقصِدُ بعضَ البيوعِ الَّتي تُعَدُّ ذَرِيعةً للرِّبا، أي: رِبا الفضْلِ؛ لأنَّ رِبا النَّسيئةِ مُتَّفقٌ عليه بيْنهم
ثم سأل أبو حيَّانَ التَّيميُّ- راوي الحديثِ عن الشعبيِّ- فقال: «يا أبا عَمْرٍو»، وهي كنيةُ الشَّعبيِّ، «فَشَيءٌ يُصْنَعُ بالسِّنْدِ؟» وهي بلادُ الهندِ، والمرادُ: سؤالُه عن شَرابٍ يُصنَعُ من الأَرُزِّ، فأخبره الشعبيُّ أنَّ اتِّخاذَ الخَمْرِ من الأَرُزِّ لَم يكُنْ على عهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو عَهدِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه، وإلَّا فإنَّه لو كان موجودًا لنهى عنه، وقد ثبت في الصَّحيحَينِ وغيرِهما أنَّ كُلَّ مُسكِرٍ حرامٌ، ولا تختَصُّ الحُرمةُ في نوعٍ بعينِه
وفي الحَديثِ: إثباتُ القياسِ، وإلحاقُ حُكمِ الشَّيءِ بنَظيرِه، وتَظهَرُ في قولِه: «والخمرُ ما خامَرَ العقلَ» حِكمةُ عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه؛ حتَّى لا يَأخُذَ البعضُ بقولِه ويَقتصِرَ في التَّحريمِ على هذه الأصنافِ، ولا يَحكُمَ بالتَّحريمِ في غيرِها مِن الأشياءِ الَّتي تُصنَعُ منها الخمورُ