تأويل قول الله عز وجل: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]

سنن النسائي

تأويل قول الله عز وجل: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121]

 أخبرنا عمرو بن علي قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا سفيان قال: حدثني هارون بن أبي وكيع وهو هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله عز وجل: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} [الأنعام: 121] قال: " خاصمهم المشركون، فقالوا: ما ذبح الله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم أكلتموه "

لا يَزَالُ أعداءُ الإسلامِ مُنذُ القَرنِ الأوَّل يُوَسوِسُ لهم الشيطانُ بالشُّبُهاتِ؛ لِيَصُدُّوا عبادَ الله عن الحقِّ بِلَمَعانِ الشُّبهة
وفي هذا الحَديثِ "عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ في قَولِه"، أي: في تفسيرِ قولِه تعالَى: "{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} [الأنعام: 121]"، أي: يُوَسوِسون لهم بالشُّبُهاتِ المُضِلَّاتِ عن الحقِّ، فذَكَر ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُما مِن هذه الشُّبُهاتِ أنَّهم "يقولون: مَا ذَبَح اللهُ فلا تَأكُلوا"، أي: ما قُتِل دونَ فِعلٍ مِنكم فإنَّكُم لا تأكلونه، "وما ذَبَحْتُم أنتُم فكُلوا"، أي: وما كان ذَبحُه مِن فِعلِكم أَكَلْتُم، فكان العَكسُ هو الأَوْلَى مِن جِهةِ العَقلِ في الظاهِرِ، وهو أكلُ المَيْتةِ وتَركُ ما ذَبَحْنا، "فأنزَل الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]"، أي: نَهَى سُبحانه وتعالى عن أكلِ ما لم يُذكرِ اسمُه عزَّ وجلَّ عليه أو ذُبِح لغيرِه سُبحانَه، فلم يَلتفِتْ لِكلامِ المُشرِكِينَ؛ لأنَّ الأمرَ متعلِّقٌ بأمرِ الله تَبارَك وتَعالَى وشَرعِه، لا ما تصوِّره الأهواءُ كحُجَّةٍ عقليَّةٍ، فهو مِن بابِ الأَوَامرِ والنَّواهِي والابتلاءِ بالأحكامِ؛ فهذا القياسُ العقلِيُّ مع وجودِ الحُكمِ الشَّرعِيِّ قياسٌ فاسدٌ، وإذا تُدبِّرَ هذا الأمرُ بعقلٍ سليمٍ اتَّضحَ أنَّ الذي شَرَعه اللهُ تعالى هو الأَوْلَى
وفي الحَدِيثِ: إلقاءُ الشَّيطانِ الشُّبَهَ إلى أعداءِ الإسلامِ
وفيه: أهميَّةُ تَقديمِ النَّصِّ على العَقلِ في الأحكامِ