تحريم الأشربة المسكرة من الأثمار والحبوب كانت على اختلاف أجناسها لشاربيها
سنن النسائي
أخبرنا سويد بن نصر، قال: حدثنا عبد الله، عن ابن عون، عن ابن سيرين، قال: جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إن أهلنا ينبذون لنا شرابا عشيا، فإذا أصبحنا شربنا قال: «أنهاك عن المسكر قليله وكثيره، وأشهد الله عليك، أنهاك عن المسكر قليله وكثيره، وأشهد الله عليك، إن أهل خيبر ينتبذون شرابا من كذا وكذا، ويسمونه كذا وكذا وهي الخمر، وإن أهل فدك ينتبذون شرابا من كذا وكذا، يسمونه كذا وكذا، وهي الخمر حتى عد أشربة أربعة أحدها العسل»
الخَمرُ ضرَرُها أكثرُ مِن نفعِها؛ ولذلك نهانا اللهُ سبحانه وتعالى عنها، ونهانا عنها نبيُّنا صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ فليس لمسلِمٍ أنْ يشرَبَها
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ محمَّدُ بنُ سِيرينَ: أنَّه "جاء رجلٌ إلى ابنِ عُمَرَ"، أي: ليسأَلَه ويستفتيَه، فقال الرَّجلُ: "إنَّ أهلَنا ينبِذُون لنا شَرابًا عشِيًّا"، أي: يصنَعونَه وقتَ العِشاءِ، والمرادُ به: ما بين زَوالِ الشَّمسِ إلى الغُروبِ، وقيل: هو آخِرُ النَّهارِ، والانتِباذُ: نَقْعُ الزَّبيبِ أو التَّمرِ في الماءِ حتَّى يتحلَّلَ ويحلوَ الماءُ ويُشرَبَ نَقِيعُه قبل أن يُخمَّرَ ويُصبِحَ مُسْكِرًا، "فإذا أصبَحْنا شرِبْنا"، أي: شرِبْناه في الصَّباحِ، فما حُكمُه؟ فقال عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما: "أنهاكَ عنِ المُسْكِرِ"، أي: عن كلِّ ما يُذهِبُ العقلَ أيًّا كان نوعُه أو مادَّةُ صُنْعِه، "قليلِه وكثيرِه"، أي: سواءٌ كان هذا المُسْكِرُ قليلًا أو كثيرًا، "وأُشهِدُ اللهَ عليكَ"، أي: أجعَلُ اللهَ تعالى شاهدًا عليكَ أنَّني بلَّغْتُكَ بحُكْمِ المُسْكِرِ ونهَيْتُكَ عن شُرْبِه، "وأُشهِدُ اللهَ عليكَ: أنهاكَ عنِ المُسْكِرِ قليلِه وكثيرِه، وأُشهِدُ اللهَ عليكَ: إنَّ أهلَ خَيْبَرَ ينتبِذونَ شَرابًا مِن كذا كذا"، أي: نوعًا مِن أنواعِ النَّبيذِ، وخَيْبَرُ بلدةٌ تقَعُ شَمالَ المدينةِ على طريقِ الشَّامِ، تبعُدُ عنِ المدينةِ 165 ميلًا (264كم)، "ويُسمُّونَه كذا كذا"، أي: بغيرِ اسمِ الخَمرِ، "وهي الخَمرُ"، أي: وإنَّ ما ينتبِذونَ خَمْرٌ، وإنْ غُيِّرَ اسمُها أو نوعُها، "وإنَّ أهلَ فَدَكٍ"، وهي بلدةٌ بينها وبين المدينةِ مسيرةُ يومينِ على شرقِ خَيْبَرَ، وتُسمَّى اليومَ: الحائطَ، "ينتبِذونَ شرابًا مِن كذا كذا، ويُسمُّونه كذا كذا"، قال ابنُ سِيرينَ: "حتَّى عدَّ أشربةً أربعةً"، أي: حتَّى أخبَرَ ابنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما بأربعةِ أنواعٍ مِن الأشربةِ كلُّها خَمْرٌ وتسبِّبُ سُكْرًا، "أحدُها"، أي: أحدُ هذه الأشربةِ: "العَسَلُ"، وهذا بيانٌ مِن ابنِ عُمرَ يوضِّحُ فيه أنَّ لكلِّ بلدٍ شرابًا خاصًّا، وطريقةً خاصَّةً، واسمًا خاصًّا للشَّرابِ والانتباذِ، ولكن كلُّها يجمَعُها اسمُ الخَمرِ؛ لأنها تُسكِرُ وتذهَبُ بالعقلِ؛ فليس الخَمرُ يقتصِرُ على ما يؤخَذُ مِن العِنَبِ، كما هو مشهورٌ عند البعضِ
وفي الحديثِ: أنَّ تغييرَ الاسمِ لا يُغيِّرُ الحُكْمَ
وفيه: التَّشديدُ والمبالغةُ في النَّهيِ عن الخَمرِ
وفيه: حِرصُ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم على بيانِ الأحكامِ للنَّاسِ