تحلة الخلوة 2
سنن النسائي
أخبرنا هارون بن إسحق، عن عبدة، عن سعيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما تزوج علي رضي الله عنه فاطمة رضي الله عنها، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطها شيئا» قال: ما عندي، قال: «فأين درعك الحطمية؟»
تزوَّج عليُّ بنُ أبي طالبٍ رضِيَ اللهُ عَنه فاطِمةَ بنتَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في السَّنةِ الثَّانيةِ مِن الهِجرةِ، وكان سِنُّها يومَ تزوَّجَها خمسَ عَشرةَ سنَةً وخَمسةَ أشهُرٍ ونِصفًا، ولَم يتزوَّجْ أيَّ امرأةٍ أُخرَى حتَّى ماتَتْ فاطمةُ رضِيَ اللهُ عنها
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عَنهما: "أنَّ علِيًّا قال: تزوَّجتُ فاطِمةَ رضِيَ اللهُ عَنها، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ابنِ بي"، والبِناءُ والابتِناءُ: الدُّخولُ بالزَّوجةِ، والأَصلُ فيه: أنَّ الرَّجلَ كان إذا تزوَّج امرأَةً بَنى عليها قُبَّةً؛ ليَدخُلَ بها فيها، فيُقالُ: بَنى الرَّجلُ على أهلِه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أَعطِها شيئًا"، أي: ما يُحسَبُ ويَدخُلُ في المالِ، والمرادُ: أنْ يَدفَعَ لها مَهرًا، قال عليٌّ رضِيَ اللهُ عَنه: "ما عندي مِن شيءٍ"، أي: لا أَملِكُ مالًا لأُعطِيَها منه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأَين دِرعُك الحُطَمِيَّةُ؟ "، والدِّرعُ: ثيابٌ مِن حَديدٍ تُلبَسُ عند القِتالِ للوِقايةِ مِن ضَرباتِ السَّيفِ، وسُمِّيَت بالحُطَميَّةِ لأنَّها تُحطِّمُ السُّيوفَ، وقيل: مَنسوبةٌ إلى بَطنٍ مِن عبدِ القَيسِ يُقالُ له: حُطَمَةُ بنُ مُحارِبٍ كانوا يَعمَلون الدُّروعَ، فقال عليٌّ رضِيَ اللهُ عَنه: "هي عِندي"، أي: أَملِكُها وفي حَوزَتي، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأَعطِها إيَّاه"، أي: أَعْطِ الدِّرعَ لفاطِمةَ مَهرًا لها؛ وهذا يدُلُّ على أهمِّيَّةِ المَهرِ، وأنَّه لا بُدَّ مِنه في الزَّواجِ مَهما قَلَّ. ... وقد ورَد أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يتزوَّجُ باثنتي عَشْرةَ أُوقيَّةً، ونَشٍّ، وأَمهَر النَّجاشيُّ أُمَّ حَبيبَةَ رَضِي اللهُ تعالى عنها حين زوَّجها للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أَربعةَ آلافِ دِرهمٍ، وكذلك ثَبَت أيضًا أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم زوَّج بأقلَّ مِن ذلك، وقال: "الْتَمِسْ ولو خَاتمًا مِن حَديدٍ"، وزوَّج بسُوَرٍ مِن القُرآنِ