تفسير اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن سلمة، والحارث بن مسكين، قراءة عليه وأنا أسمع، عن ابن القاسم، قال: حدثني مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد»
اللهُ عَزَّ وجَلَّ واسِعُ الرَّحمةِ، جَزيلُ العَطاءِ لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا، فمهْما بَلَغتْ ذُنوبُ العَبدِ وكَثُرتْ خَطاياهُ، ثمَّ تابَ وأنابَ إلى اللهِ؛ تابَ اللهُ عليه، وقَبِلَه وأجْزَلَ له المَثوبةَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يَضحَكُ إلى رَجُلَيْنِ، ضَحِكًا يَليقُ به سُبحانَه وتَعالى، مِن غَيرِ تَأويلٍ أو تَعطيلٍ أو تَشبيهٍ؛ وذلك لأنَّ هذَيْن الرَّجُلَيْنِ قَتَلَ أحَدُهما الآخَرَ، وعلى الرَّغمِ مِن ذلك يَجمَعُ اللهُ تعالَى بيْنَهما في الجَنَّةِ؛ وذلك أنَّ القاتِلَ كان كافِرًا وقدْ قَتَلَ مُؤمِنًا، فمات المُؤمِنُ شَهيدًا في سَبيلِ اللهِ، فدَخَل الجَنَّةَ؛ كما وَعَدَ اللهُ تعالَى الشُّهداءَ، ثمَّ أسلَمَ القاتِلُ، وقاتَلَ في سَبيلِ اللهِ هو الآخَرُ، فاستُشهِدَ؛ فإنَّ اللهَ يُلحِقُه بصاحِبِه الذي قَتَلَه في الجَنَّةِ، وهذا الفِعلُ كان سَبَبًا لِضَحِكِ اللهِ تعالَى منهما في الآخِرةِ
وفي هذا الحَديثِ: أنَّ كَرَمَه سُبحانَه وفَضْلَه مُتنَوِّعٌ مِن وُجوهٍ لا تُعَدُّ ولا تُحصَى
وفيه: أنَّ مَن قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ فهو في الجَنَّةِ
وفيه: التَّرغيبُ في الدُّخولِ في الإسلامِ
وفيه: فَتحُ أبوابِ التَّوبةِ بكُلِّ وَسيلةٍ؛ فإنَّ الإسلامَ يَجُبُّ ما قبْلَه
وفيه: إثباتُ الضَّحِكِ للهِ تَعالى، وهو ضَحِكٌ يَليقُ به سُبحانَه وتَعالى، ولا يُشبِهُ ضَحِكَ المَخلوقينَ