تفسير البتع، والمزر 3
سنن النسائي
أخبرنا أبو بكر بن علي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: أخبرني أبي قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عمر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر آية الخمر، فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت المزر؟ قال: «وما المزر؟»، قال: حبة تصنع باليمن، فقال: «تسكر؟» قال: نعم، قال: «كل مسكر حرام»
ذكَرَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى أنَّ الشَّيطانَ يُوقِعُ بيْن النَّاسِ العَداوةَ والبَغْضاءَ في الخَمرِ والمَيْسرِ؛ فإنَّ مَن سَكِرَ اختَلَّ عقلُه، فربَّما تَسلَّطَ على أذَى النَّاسِ في أنفُسِهم وأمْوالِهم، وربَّما بلَغَ إلى القَتلِ؛ ولذلك عُدَّت الخَمرُ أمَّ الخَبائثِ
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أبو مُوسى الأشْعَريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَثَه إلى اليمَنِ واليًا على جُزءٍ منها، فسَأَلَ أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن حُكمِ شُربِ أنْواعٍ مِن الأشْرِبةِ تُعرَفُ بيْن أهلِ اليَمَنِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وما هي؟ قال أبو مُوسى رَضيَ اللهُ عنه: «البِتْعُ والمِزْرُ». وفُسِّرا في الحَديثِ بأنَّ البِتْعَ: نَبيذُ العَسَلِ، والمِزْرَ نَبيذُ الشَّعيرِ، والنَّبيذُ هو ما يُصنَعُ مِن نَقيعِ الثَّمرِ مِثلِ: البَلَحِ، أوِ العنَبِ، أوِ الشَّعيرِ، أو الذُّرةِ، أوِ العسَلِ، أو غيرِ ذلك، فيُترَكُ النَّقيعُ حتَّى يَحلوَ أو يَختَمِرَ، ثمَّ يُشرَبَ، وربَّما يُغْلى بالنَّارِ حتَّى يَذهَبَ بعضُه، ثمَّ يُشرَبُ، ومنه ما ليس مُسكِرًا، ولكنَّه رُبَّما يَتحوَّلُ إلى مُسكِرٍ إذا طال الزَّمنُ، وقد أجابَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على سؤالِ أبي موسى الأشْعَريِّ رَضيَ اللهُ عنه بالقَولِ الفَصلِ، فقال: «كلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ»، أي: إنَّ كلَّ شَرابٍ يُسكِرُ العقلَ ويُذهِبُه، فهو حَرامٌ؛ فهذا الحديثُ وهذا القَولُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصْلٌ في تَحْريمِ تَناوُلِ جَميعِ المُسكِراتِ المُغطِّيةِ للعَقلِ، على اختِلافِ أشْكَالِها وألْوانِها
وفي الحَديثِ: بَيانُ حِرصِ الإسْلامِ على سَلامةِ العَقلِ ويَقظَتِه؛ فهو مَناطُ التَّكْليفِ