تمام حديث أسيد بن حضير

مستند احمد

تمام حديث أسيد بن حضير

 حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني عكرمة بن خالد، عن أسيد بن حضير الأنصاري، ثم أحد بني حارثة، أنه أخبره أنه كان عاملا على اليمامة، وأن مروان كتب إليه: أن معاوية كتب إليه: أيما رجل سرق منه سرقة، فهو أحق بها بالثمن حيث وجدها، قال: فكتبت إلى مروان: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أنه إذا [ص:508] كان الذي ابتاعها من الذي سرقها غير متهم، خير سيدها، فإن شاء أخذ الذي سرق منه بالثمن، وإن شاء اتبع سارقه» ، قال: وقضى بذلك أبو بكر، وعمر، وعثمان رضي الله تعالى عنهم

لقد بيَّنَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ معالِمَ الدِّينُ، وما يَنْبغي فعْلُه في كلِّ الأحوالِ، ومن ذلك بيانُ كيفيَّةِ تَصرُّفِ مَن سُرِقَ مالُه أو متاعُه إذا وجَدَ عينَ مالِه عند أحدِ النَّاسِ

كما في هذا الحديثِ، وفيه يُخْبِرُ التَّابعيُّ عِكرمةُ بنُ خالدٍ: "أنَّ أُسيدَ بنَ حُضيرٍ الأنصاريَّ، ثمَّ أحَدَ بَني حارثةَ"؛ قيل: إنَّ أُسيدَ بنَ حُضيرٍ رضِيَ اللهُ عنه ذُكِرَ هنا خطأً، وصوابُه أُسيدُ بنُ ظُهَيرٍ؛ وذلك أنَّ ابنَ حُضيرٍ قد مات في عهْدِ عمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما، والقِصَّةُ المذكورةُ في عَهْدِ مُعاويةَ رضِيَ اللهُ عنه، قال عِكرمةُ: "أخبَرَه أنَّه كان عامِلًا على اليمامةِ"، أي: كان أُسيدٌ رضِيَ اللهُ عنه واليًا على اليمامةِ لمُعاويةَ، وهي بلدةٌ من بلادِ العَوالي، وهي بلادُ بَني حَنيفةَ، قيل: مِن عُروضِ اليَمنِ، وقيل: مِن باديةِ الحِجازِ، "وأنَّ مرْوانَ"، أي: ابنَ الحَكمِ الأُمويَّ، وكان واليًا على المدينةِ، "كتَبَ إليه"، أي: إلى أُسيدٍ، ويُخْبِرُه "أنَّ مُعاويةَ كتَبَ إليه"، أي: إلى مرْوانَ، "أنْ أيُّما رجُلٍ سُرِقَ منه سَرِقةٌ، فهو أحقُّ بها حيث وجَدَها"، أي: إنَّ صاحِبَ المالِ المسروقِ أحَقُّ به في أيِّ مكانٍ وجَدَ تلك السَّرقةِ، سواءٌ كانتْ عند السَّارقِ أو عند غيرِه، "ثمَّ كتَبَ بذلك مرْوانُ إليَّ، فكتبْتُ إلى مرْوانَ: أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَضى"، أي: حكَمَ في الأمْرِ "بأنَّه إذا كان الَّذي ابتاعَها"، أي: اشْتَراها، "مِن الَّذي سرَقَها غيرَ مُتَّهمٍ"، أي: اشتَراها من السَّارقِ وهو لا يعلَمُ بسَرقتِها وكان أمينًا مُصدَّقًا في دَعْوى الشِّراءِ، فهو غيرُ مُتَّهمٍ بمُشاركتِه السارقَ أو تواطئِه معه في أخْذِها ظُلمًا، "يُخيَّرُ سَيِّدُها" وهو صاحبُها الَّتي سُرِقَتْ منه، "فإنْ شاء أخَذَ الَّذي سُرِقَ منه بثمَنِها"، أي: يَشْتريها مِن الَّذي اشتراها من السَّارقِ، "وإنْ شاء اتَّبَعَ سارقَه"، أي: ترَكَها للمُشتري، وذهَبَ يُطالِبُ سارقَه بها، وليس على المُشتري شَيءٌ، والمعنى: أنَّ الشَّخصَ المسروقَ منه مُخيَّرٌ بين أمرينِ: إمَّا أنْ يأخُذَ متاعَه المسروقَ من المُشتري، بعدَ أنْ يدفَعَ ثمَنَه لمَن اشتراه من السَّارقِ؛ لئلَّا يتضرَّرَ من غيرِ تَقصيرٍ منه، وإمَّا أنْ يتَّبِعَ السَّارقَ، فيُضمِّنَه قِيمةَ المتاعِ؛ لأنَّه المُعتدي عليه بأخْذِ متاعِه. أمَّا في حالةِ كونِ المشتري مُتَّهمًا، كأنْ يكونَ يعلمُ بالسارقِ أو أنَّ السلعةَ مَسروقةٌ؛ فإنَّ صاحِبَ المالِ إنْ وجَدَمالَه عندَه، فهو أَحَقُّ بعينِ مالِه، وعلى المشترِي المتَّهمِ اتِّباعُ السارقِ
قال أُسيدٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ قَضى بذلك أبو بكرٍ، وعمرُ، وعُثمانُ"، أي: إنَّ الخُلفاءَ من بعدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اتَّبعوه في ذلك القضاءِ، "فبعَثَ مرْوانُ بكتابي إلى مُعاويةَ، وكتَبَ مُعاويةُ إلى مرْوانَ: أنَّك لستَ أنت ولا أُسيدٌ، تَقْضيانِ عليَّ"، أي: ليس لكما أنْ تُلْزِماني بشَيءٍ لا أَراه صوابًا، "ولكنِّي أقْضي فيما وُلِّيتُ عليكما، فأنْفِذْ لِمَا أمَرْتُك به"، أي: من أنَّ المسروقَ منه أحقُّ بمالِه بلا خيارٍ، "فبعَثَ مرْوانُ بكتابِ مُعاويةَ"، أي: إلى أُسيدٍ، "فقلْتُ: لا أقْضي به ما وُلِّيتُ بما قال مُعاويةُ"، أي: لا أدَعُ قولَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فالعمَلُ به مُتعيَّنٌ، ولا أحكُمُ بقولِ مُعاويةَ مُدَّةِ وِلايتي، وهذا العمَلُ من مُعاويةَ رضِيَ اللهُ عنه اجتهادٌ منه، والمُجتهِدُ يُصيبُ ويُخْطِئُ
وفي الحديثِ: بَيانُ ما كان عليه الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم من التَّمسُّكِ بالنَّصِّ، وإنْ خالفوا فيه وُلاةَ الأُمورِ؛ عمَلًا بقولِه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّما الطَّاعةُ في المعروفِ