توجيه الحاكم إلى من أخبر أنه زنى
سنن النسائي
أخبرنا الحسن بن أحمد الكرماني، قال: حدثنا أبو الربيع، قال: حدثنا حماد، قال: حدثنا يحيى، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بامرأة قد زنت فقال: «ممن؟» قالت: من المقعد الذي في حائط سعد، فأرسل إليه، فأتي به محمولا، فوضع بين يديه، فاعترف «فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإثكال فضربه، ورحمه لزمانته، وخفف عنه»
الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ شريعةُ العدلِ والرَّحمةِ، وقد تَجلَّتْ مَظاهرُ العدلِ والرَّحمةِ في كلِّ التشريعاتِ، حتى عندَ تَطبيقِ الحدودِ والعقوباتِ، التي تكونُ مانِعةً وزاجرةً مِن ارتكابِ المعاصي، وكفَّارةً لما ارْتُكِبَ من الذُّنوبِ
وفي هذا الحديثِ يَحكي أبو أُمامةَ بنُ سهلٍ: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أُتِي بامرأةٍ قد زَنَتْ"، أي: جيءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بامرَأةٍ ارتكَبَت فاحِشةَ الزِّنا؛ لِيُقيمَ عليها الحدَّ فقال النَّبيُّ صلَّى عليه وسلم: "مِمَّن"، أي: سأَلها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: مَن زَنى بكِ؟ قالت المرأةُ: "مِنَ الْمُقعَدِ الَّذي في حائطِ سعدٍ"، أي: مِن رجُلٍ أُصيبَ بمَرَضٍ في جَسَدِه فلا يَستَطيعُ القِيامَ ولا المشْيَ وكان بجِوارِ بُستانِ سَعدِ بنِ عُبادةَ، فأَرسَلَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لِيَأتيَ إليه، "فأُتِي به مَحمولًا"، أي: جاؤوا به إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَحمِلونه لِمَا به مِن المرَضِ، ولا يَستَطيعُ المشْيَ، "فوُضِع بينَ يدَيه"، أي: وضَعوه قُدَّامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فاعتَرَف"، أي: أقَرَّ بأنَّه زَنَى بتِلكَ المرأةِ، وقد بَيَّنتْ روايةُ أبي داود أنَّ هذا الرَّجُلَ كان قد مَرِض مرَضًا شَديدًا فدخَلَتْ عليه هذه المرأةُ تَعودُه وكانتْ جاريةً لأحدِ الأنصارِ، فوَقَع بها؛ فحَمَلَتْ منه، "فدعا رَسولُ اللهِ بإِثْكالٍ فضَرَبه"، أي: لَمَّا رأى النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ما به مِن مرَضٍ وسوءِ حالٍ دَعا بإِثْكالٍ، وهو الغُصْنُ الَّذي عليه فُروعٌ خَفيفةٌ مِن النَّخلِ، فضَرَبه ضربةً واحِدةً، "ورَحِمَه لِزَمانَتِه، وخَفَّف عنه"، أي: عفا عنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، ولم يَجلِدْه مِئةً لشِدَّةِ ما به مِن الدَّاءِ الذي لا يُرجَى بُرؤُه، وخفَّفَ عنه في طريقةِ إقامةِ الحَدِّ. وفي روايةٍ: أنَّه أخَذ مِئةَ شِمْراخٍ، فضَرَبوه ضربةً واحدةً؛ فلم يَأخُذِ العقابَ على وَجْهِه؛ لأنَّه لو جُلِدَ مِئةً كاملةً لَربَّما مات. والمريضُ الَّذي يَستحِقُّ إقامةَ حدِّ الجَلْدِ عليه، إمَّا أن يُرْجَى بُرْؤُه وشِفاؤُه؛ فهذا يُقامُ عليه الحدُّ ولا يُؤخَّرُ، وقيل: بل يَكونُ تأخيرُه حتَّى يُشْفَى مِن مرَضِه؛ حتَّى لا يَجتمِعَ عليه ألَمُ الجَلْدِ، وألَمُ المرَضِ، وأما المَريضُ الذي لا يُرجَى شِفاؤُه، فهذا يُقامُ عليه الحدُّ ويُخفَّفُ عنه، كأنْ يُضرَبَ بسَوطٍ خفيفٍ؛ حِفاظًا على حَياتِه، أو يُصنَعُ معه كما صَنَع النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع هذا الرجُلِ
وفي الحديثِ: تيسيرُ شَريعةِ الإسلامِ وعِظَمُ الرَّحمةِ بها