حب الرجل بعض نسائه أكثر من بعض 5
سنن النسئي
أخبرني محمد بن آدم، عن عبدة، عن هشام، عن عوف بن الحارث، عن رميثة، عن أم سلمة، أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كلمنها، أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم، أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وتقول له: إنا نحب الخير كما تحب عائشة، فكلمته، فلم يجبها، فلما دار عليها كلمته أيضا، فلم يجبها، وقلن: ما رد عليك؟ قالت: لم يجبني. قلن: لا تدعيه حتى يرد عليك، أو تنظرين ما يقول، فلما دار عليها كلمته فقال: «لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل علي الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن، إلا في لحاف عائشة» قال أبو عبد الرحمن: هذان الحديثان صحيحان عن عبدة
أكمَلُ النَّاسِ همُ الرُّسلُ عليهمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وأكمَلُهم وأفضَلُهم هو خاتَمُهم وإمامُهم محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الرِّجالَ كَمَلَ منهم كَثيرٌ، أي: حاز كَثيرٌ منهم مُنْتَهى الفَضائلِ والخِصالِ الحَميدةِ في الدِّينِ وتَناهَى في خِصالِ البِرِّ والتَّقْوَى، وفي العَقلِ والعِلمِ والحَقِّ والعَدلِ والصِّدقِ والأدبِ؛ فالكمالُ في هِذه الخِلالِ موجودٌ في كَثيرٍ مِن الرِّجالِ، وعلى رَأسِ هؤلاء الأنْبياءُ والأوْلياءُ، كالصِّدِّيقينَ، والشُّهداءِ، والصَّالِحينَ؛ فإنَّهمُ الكامِلونَ المُكمَّلونَ. وهذا بخِلافِ النِّساءِ اللَّاتي لم يَكمُلْ منهنَّ سِوَى مَريمَ أمِّ عِيسى عليهما السَّلامُ، فهي الَّتي ضَرَب اللهُ بها المَثلَ في حَصانَتِها لنفْسِها، وكَمالِ عِبادَتِها، وآسيةَ امْرأةِ فِرعَونَ؛ وذلك لأنَّها آمَنَت بمُوسى حِينَ تَغلَّبَ على سَحَرةِ فِرعَونَ، فلمَّا كان فِرعَونُ أعْتى أهلِ الأرضِ وأكفَرَهم، ما ضرَّ امْرأتَه كُفْرُ زَوجِها لَمَّا آمَنَت برَبِّها
وهذا الحَديثُ لا يَقتَضي حَصْرَ كَمالِ صِفاتِ الصَّلاحِ والصِّدقِ والتَّقوَى فيهما؛ فلا يَمتنِعُ أنْ يُشارِكَهُما مِن هذِه الأُمَّةِ غَيرُهما، بلْ قد يكونُ في هذه الأُمَّةِ -سَواءٌ في العُصورِ الغابِرةِ، أو فيمَن بعْدَهم- مَن يَصِلُ إلى هذِه الدَّرَجةِ
ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «وفَضلُ عائشةَ على النِّساءِ»، ولم يَعطِفْ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها على آسيةَ ومَريمَ، ولكنْ ذكَرَها بجُملةٍ مُستقِلَّةٍ؛ تَنْبيًها على اخْتِصاصِها بما امْتازَت به، والمُرادُ بالنِّساءِ؛ قيلَ: نِساءُ هذه الأمَّةِ، وقيلَ: أزْواجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. «كفَضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطَّعامِ»، والثَّريدُ: الخُبزُ المُكسَّرُ الَّذي وُضِعَ عليه اللَّحمُ والمَرَقُ، والمُرادُ بالفَضيلةِ: نَفْعُه، والشِّبَعُ منه، وسُهولةُ مَساغِه، والالتِذاذُ به، وتَيسُّرُ تَناوُلِه، وتَمكُّنُ الإنْسانِ مِن أخْذِ كِفايَتِه منه بسُرعةٍ، وغيرُ ذلك؛ فهو أفضَلُ مِن سائرِ الطَّعامِ في ذلك
وهذا مَثَلٌ؛ كأنَّ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها فُضِّلتْ على النِّساءِ كفَضلِ اللَّحمِ على سائرِ الأطْعِمةِ، وأنَّ فَضْلَها زائدٌ كزِيادةِ فَضلِ الثَّريدِ على غَيرِه منَ الأطْعِمةِ؛ إشارةً إلى ما أُعطيَتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها مِن حُسنِ الخُلقِ، وحَلاوةِ المَنطِقِ، وفَصاحةِ اللَّهْجةِ، وجَوْدةِ القَريحةِ، ورَزانةِ الرَّأيِ، ورَصانةِ العَقلِ، والتَّحبُّبِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فهي صالِحةٌ للتَّبعُّلِ، والتَّحدُّثِ، والاسْتِئناسِ بها، والإصْغاءِ إليها، ويَكْفي أنَّها عقَلَتْ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما لم يَعقِلْ غَيرُها منَ النِّساءِ، ورَوَتْ ما لمْ يَرْوِ مِثلَها مِن الرِّجالِ
وفي الحَديثِ: فَضلُ آسيةَ امْرأةِ فِرعَونَ، ومَرْيمَ ابْنةِ عِمْرانَ، وأنَّهما أفضَلُ الفُضْلَياتِ، وأكمَلُ الكامِلاتِ في عَصرِهنَّ، أو في سائرِ العُصورِ
وفيه: فَضلٌ ومَنقَبةٌ لعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها