حث الإمام على الصدقة في الخطبة 3
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن منصور، عن الشعبي، عن البراء، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة ثم قال: «من صلى صلاتنا ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة فتلك شاة لحم»، فقال أبو بردة بن نيار: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، عرفت أن اليوم يوم أكل وشرب فتعجلت فأكلت وأطعمت أهلي وجيراني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تلك شاة لحم»، قال: فإن عندي جذعة خير من شاتي لحم، فهل تجزي عني؟ قال: «نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك»
علَّمَنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ واجباتِ الأعيادِ وسُننَها وآدابَها، ومِن ذلك وَقتُ الصَّلاةِ يومَ الأضْحى وكَيفيَّتُها، ووَقتُ ذَبْحِ الأُضحيةِ؛ تلك الشَعيرةُ العَظيمةُ مِن شَعائرِ الإسلامِ، وهي عِبادةٌ مُؤقَّتةٌ بوَقتٍ، لا تَجوزُ قبْلَه ولا بعْدَه
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي البَراءُ بنُ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَطَب يومَ الأضْحى، وذلك بعْدَ صَلاةِ العِيدِ وليس قبْلَها، فبيَّن للنَّاسِ أنَّ مَن صلَّى العيدَ مع المسلمينَ، ثمَّ ذبَحَ أُضحيتَه بعْدَ الصَّلاةِ؛ فقد وافَقَ العِبادةَ المشروعةَ الَّتي يُثابُ عليها ثَوابَ الأُضحيةِ، ومَن لم يفعَلْ فذبَحَ قبْل الصَّلاةِ، فإنَّه لا نُسُكَ له، أي: فلا يُعطى ثَوابَ الأُضحيةِ، فقام أبو بُرْدةَ بنُ نِيَارٍ خالُ البَراءِ بنِ عازبٍ رَضيَ اللهُ عنهما، فذكَرَ أنَّه ذبَحَ شاتَه قبْلَ الصَّلاةِ، مُعلِّلًا ذلك بأنَّ يومَ الأضحَى يومُ أكْلٍ وشُربٍ، وأنَّه أحَبَّ أنْ تكونَ شاتُه أوَّلَ ما يُذبَحُ في بَيتِه، وأنَّه أكَل منها قبْلَ أنْ يَأتيَ إلى الصَّلاةِ، فأجابَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ شاتَه التي ذَبَحَها مُجرَّدُ شاةِ لَحْمٍ، ولا تَصِحُّ أُضْحيةً، وليس فيها ثَوابُ النُّسُكِ، وإنَّما هي على عادةِ الذَّبحِ للأكْلِ المُجرَّدِ مِن القُربةِ
فذَكَرَ أبو بُرْدةَ أنَّه لا يَملِكُ إلَّا عَناقًا، وهي الأُنثى مِن ولَدِ المَعْزِ، (جَذَعةً)، والجذَعةُ ما كانتْ دونَ السَّنةِ. وقيل: الإجذاعُ زمَنٌ وليسَ بسِنٍّ يَسقُطُ ولا يَنبُتُ؛ فالجَذَعُ اسمٌ لولَدِ الماعزِ إذا قَوِيَ؛ فهو الآنَ لا يَملِكُ إلَّا جَذَعةً مِن المَعْزِ ولكنَّها عِندَه أفضلُ وأحبُّ مِن شَاتَينِ؛ لكَثرةِ لَحْمِها، وغَلاءِ ثَمنِها، فسَأَلَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تُجزِئُه تلك الجَذَعةُ أُضحيةً؟ فرخَّصَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذَبْحِ الجذَعةِ مِن المَعْزِ؛ لأنَّه لا يَملِكُ غيرَها، وأجابَه بأنَّها تُجزِئُه وحْدَه خاصَّةً، ولا تُجزِئُ أحدًا بعْدَه مِن الأُمَّةِ. وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ الجَذَعةَ مِن المَعزِ التي دُونَ السَّنةِ لا تُجزِئُ فى الضحايا، ويُجزِئُ مِن المَعزِ الثَّنيُّ فما فوقَه، وهي ما تَمَّ له سَنةٌ ودخَلَ في الثانيةِ
وفي الحديثِ: المُنافسةُ والمُسارعةُ إلى فِعلِ الخَيراتِ
وفيه: فَضيلةُ أبي بُرْدةَ رَضيَ اللهُ عنه
وفيه: أنَّ سُنَّةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ التَّيسيرُ والتَّخفيفُ