باب ثواب من توضأ كما أمر 1
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن أبي الزبير عن سفيان بن عبد الرحمن عن عاصم بن سفيان الثقفي : أنهم غزوا غزوة السلاسل ففاتهم الغزو فرابطوا ثم رجعوا إلى معاوية وعنده أبو أيوب وعقبة بن عامر فقال عاصم يا أبا أيوب فاتنا الغزو العام وقد أخبرنا أنه من صلى في المساجد الأربعة غفر له ذنبه فقال يا بن أخي أدلك على أيسر من ذلك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما قدم من عمل أكذلك يا عقبة قال نعم
قال الشيخ الألباني : صحيح
كان التَّابعونَ رحِمَهم اللهُ تعالى يَستفتون الصَّحابةَ رَضِي اللهُ عَنهم في أمورِ دِينِهم، فيُجيبُهم الصَّحابةُ بمِثْلِ ما كان يَفعَلُونَه مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عاصمُ بنُ سُفيانَ الثَّقفيُّ: "أنَّهم"، أي: هو وأصحابَه، "غزَوْا غَزوةَ السَّلاسلِ"، أي: خرَجوا لغزوةٍ تُسمَّى السَّلاسلَ في عَهدِ مُعاويةَ رَضِي اللهُ عَنه، وهي غيرُ الغزوةِ الَّتي كانَتْ على عهدِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الَّتي خرَج فيها عَمرُو بنُ العاصِ سنَةَ ثمانٍ مِن الهِجرةِ، وكانَتْ تُسمَّى ذاتَ السَّلاسلِ، والسَّلاسلُ: رَمْلٌ يَنعقِدُ بعضُه على بَعضٍ كالسِّلسلةِ، وقيل: هو ماءٌ بأرضِ جذام، وبه سُمِّيتِ الغزاةُ، وهو في اللُّغةِ الماءُ السَّلسَّالُ، وقيل: هو بمعنى السَّلْسَل، "ففاتَهم الغَزْوُ"، قيل: لعلَّ فَوْتَ الغَزوةِ كان بسببِ القُصورِ منهم؛ ولهذا تدارَكَ عاصمٌ بالعمَلِ الصَّالحِ بعدَها، "فرابَطوا"، أي: أقاموا على ثَغْرٍ مِن الثُّغورِ الَّتي تُقابِلُ العدُوَّ
قال: "ثمَّ رجَعوا"، أي: بعدَ أن قضَوْا مُدَّةَ رِباطِهم، "إلى مُعاويةَ، وعندَه أبو أيُّوبَ وعقبةُ بنُ عامرٍ"، والثَّلاثةُ مِن صحابةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال عاصمٌ: "يا أبا أيُّوبَ، فاتَنا الغزوُ العامَ"، أي: يتأسَّفُ على فواتِ الغَزْوِ، ويستنصِحُ أبا أيُّوبَ في إرشادِه إلى أعمالِ الطَّاعةِ الَّتي تُكافِئُ الغَزْوَ، "وقد أُخبِرْنا: أنَّه مَن صلَّى في المساجدِ الأربعةِ غُفِرَ له ذَنْبُه"، قيل: ولعَلَّ المرادَ بالمساجدِ: مسجدُ مكَّةَ، والمدينةِ، ومسجدُ قُباءٍ، والمسجدُ الأقصى، فقال أبو أيُّوبَ: "يا ابنَ أخي"، والمرادُ: أُخوَّةُ الدِّينِ لا النَّسَبِ، "ألَا أدُلُّكَ على أيسَرَ مِن ذلكَ؟"، أي: أُسهِّلُ عليكَ أمرَك وأُرشِدُك وأدُلُّك على ما تُريدُ؛ "إنِّي سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: مَن توضَّأ كما أُمِرَ"، أي: كما أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ، وهو أن يأتيَ بالوُضوءِ على الوَجهِ الأكملِ له مِن واجباتٍ ومُستحَبَّاتٍ، "وصلَّى كما أُمِرَ"، أي: ثمَّ صلَّى بهذا الوُضوءِ صلاةً يُؤدِّيها بمِثْلِ ما أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ مِن الأركانِ، وكذلك بالخشوعِ والتَّضرُّعِ للهِ عزَّ وجلَّ، "غُفِرَ له ما قدَّم مِن عمَلٍ"، أي: كان ذلك سببًا في غُفرانِ ما تقدَّمَ مِن ذَنْبٍ، قال أبو أيُّوبَ: "أكذلكَ يا عُقْبَةُ؟"، أي: يَستشهِدُ رَضِي اللهُ عَنه بتأكيدِ عُقْبَةَ للحديثِ؛ حتَّى يُخرِجَ ما في قلبِ عاصمٍ مِن التَّندُّمِ على ما فاتَه، ويُقبِلَ على ما ينصَحُه به، فقال عُقْبَةُ: "نَعَم"، أي: إنَّ ما ذكَرْتَه حدَّث به النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم. والمرادُ بغُفرانِ الذُّنوبِ: الصَّغائرُ لا الكبائرُ، كما بيَّنَتِ الرِّواياتُ الأُخرى؛ لأنَّ الكبائرَ لا بدَّ لها مِن التَّوبةِ بشُروطِها المعروفةِ