حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها 1

سنن النسائي

حث الإمام على رص الصفوف والمقاربة بينها 1

أخبرنا علي بن حجر، أنبأنا إسماعيل، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر فقال: «أقيموا صفوفكم وتراصوا؛ فإني أراكم من وراء ظهري»

كان الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم مُسارِعينَ إلى امتِثالِ أمرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبَذْلِ الجُهدِ في القيامِ به كما أمَر رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتعليمِ هذا لِمَن بعْدَهم، خصوصًا فيما يَتعلَّقُ بالصَّلاةِ الَّتي هي عِمادُ الدِّينِ

وفي هذا الحديثِ يأمُرُ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم بإقامةِ الصُّفوفِ، بمعنَى تسويتِها واعتدالِ القائمينَ بها على سَمْتٍ واحدٍ، ويُرادُ بها أيضًا سَدُّ الخَلَلِ الَّذي في الصَّفِّ. ويُعلِّلُ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا الأمرَ بمُعجزةٍ مِن مُعجزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيقولُ: «فإنِّي أراكُم مِن وراءِ ظَهري»، والمعنى: إنَّما أمَرْتُكم بذلك؛ لأنِّي عَلِمتُ مِن حالِكمُ التَّقصيرَ في ذلك، بسَببِ أنِّي أراكُم مِن خَلفي. ويَحتمِلُ أنَّه قال ذلك تَحريضًا للضُّعفاءِ على التَّسويةِ، بِناءً على إخلالِهم بها بسببِ الغَيبةِ عن نظَرِه؛ إذ كثيرٌ مِن الضُّعفاءِ يَهتمُّون في الحضورِ ما لا يَهتمُّون في الغَيبةِ. ويحتملُ أنَّ بعضَ المنافِقين كانوا لا يَهتمُّون بأمرِ الصُّفوفِ، فقيل لهم لِيَهتمُّوا، ولا يُخِلُّوا بأمرِ الصُّفوفِ.ومعنى الرُّؤيةِ في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فإنِّي أراكُم مِن وراءِ ظَهري» محمولٌ على ظاهِرِه، وأنَّ هذا الإبصارَ إدراكٌ حقيقيٌّ خاصٌّ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، انخرقَتْ له فيه العادةُ، فصارتْ مِن مُعجزاتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.ثمَّ يُبيِّنُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه -راوي الحديث- امتثالَهم لأمرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إقامةِ الصُّفوفِ، بأنَّ كلَّ واحدٍ منهم كان يُلصِقُ مَنكِبَه بمَنكِبِ مَن بجِوارِه، والمَنكِبُ هو مُجتمَعُ رأسِ العَضُدِ مع الكَتِفِ، وكان كلُّ واحدٍ منهم أيضًا يُلصِقُ قَدَمَه بقَدَمِ الَّذي يَليه؛ مُبالَغةً في التَّسويةِ، وتحقيقًا لِأمرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ

وفي الحديثِ: الأمرُ بتَسويةِ الصُّفوفِ وتَحسينِها في الصَّلاةِ، وأنَّه يَنبغي للإمامِ تعاهُدُ ذلك مِن الناسِ، ويَنبغي للناسِ تعاهُدُ ذلك مِن أنفُسِهم

وفيه: مَشروعيَّةُ الكلامِ بيْنَ الإقامةِ والصَّلاةِ