حديث أبرص وأقرع وأعمى في بني إسرائيل

بطاقات دعوية

حديث أبرص وأقرع وأعمى في بني إسرائيل

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن ثلاثة في بني إسرائيل أبرص وأعمى وأقرع؛ بدا لله (وفي رواية: أراد الله 7/ 223) (57) عز وجل أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن، وجلد حسن، قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب عنه، فأعطي لونا حسنا، وجلدا حسنا. فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الإبل -أو قال: البقر. هو (58) شك في ذلك إن الأبرص والأقرع قال أحدهما: الإبل، وقال الآخر: البقر -فأعطي ناقة عشراء (59)، فقال: يبارك لك فيها.
وأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني هذا، قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب، وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. قال: فأعطاه بقرة حاملا، وقال: يبارك لك فيها.
وأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: يرد الله إلي بصري، فأبصر به الناس. قال: فمسحه، فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطاه شاة والدا. فأنتج هذان (60)، وولد هذا، فكان لهذا واد من إبل، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من الغنم.
ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته (61)، فقال: رجل مسكين، تقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ [لي] اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال له: إن الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس، فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: لقد ورثت لكابر عن كابر! فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأقرع في صورته وهيئته، فقال له مثل ما قال لهذا، فرد عليه مثل ما رد عليه هذا! فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت.
وأتى الأعمى في صورته، فقال رجل مسكين، وابن سبيل، وتقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى، فرد الله بصري، وفقيرا، فقد أغناني، فخذ ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله (62). فقال: أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك". 


كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسَنَ النَّاسِ تَعليمًا وبَيانًا، ومِن ذلك أنَّه كان يُقرِّبُ المعانِيَ للنَّاسِ، بإيرادِ القصصِ وضَرْبِ الأمثالِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ ثَلاثَةً رِجالٍ مِن بَني إسْرائيلَ «بَدَا لِلهِ عزَّ وجلَّ أنْ يَبتَلِيَهم»، أي: سَبَقَ في عِلمِ اللهِ اختبارُهم، فأرادَ إظهارَه، لا أنَّه تعالَى ظَهَرَ له ذلك بعْدَ أنْ كان خافيًا؛ إذ إنَّ ذلك مُحالٌ في حقِّ اللهِ تعالَى. وقدْ كان كُلُّ واحِدٍ مِن هؤُلاءِ الثَّلاثةِ مُصَابًا بِعَاهةٍ في جَسدِهِ؛ فأحَدُهم أَبْرَصُ، والثَّاني أَقْرَعُ، والثَّالثُ أَعْمَى، فأرادَ اللهُ أنْ يَمُنَّ عليهم بالسَّلامةِ مِن عاهاتِهِم، وبالغِنَى بعْد فَقْرِهِم اختبارًا لهم؛ لِيُجَازيَ مَن شَكَرَ النِّعمةَ بِزيادَتِها، ومَن كَفَرَها بزَوالِها عنه.
فأمَّا الأوَّلُ: فهو رَجُلٌ أبْرَصُ، وهو الَّذي ابْيَضَّ جِلْدُ جَسَدِهِ، بَعَثَ اللهُ إليهِ المَلَكَ في صُورةِ إنسانٍ، فقال له: أيُّ شَيءٍ أحبُّ إليكَ؟ قال: لَونٌ حَسَنٌ، وجِلْدٌ حَسَنٌ، فتَمنَّى أنْ يَعودَ إلى جِسْمِهِ لَونُهُ الصَّافي الجَميلُ وبَشَرَتُهُ النَّقِيَّةُ السَّليمَةُ، وعلَّلَ ذلك بقولِه: «قدْ قَذِرَني النَّاسُ»، أي: اشْمَأزُّوا مِنِّي وكَرِهوني، فمَسَحَهُ المَلَكُ بيَدِه، فَزالَ عنه داءُ البَرَصِ، وأصبَحَ نَقِيَّ اللَّونِ والبَشَرَةِ، ثمَّ سَأَلَه الملَكُ عنْ أحَبِّ المالِ إليهِ، فقال: الإبِلُ -أو قال: البقَرُ- والشَّكُّ مِن أحدِ رُواةِ الحديثِ في كَونِ الأبرَصِ والأقرَعِ قدْ طَلَبَ أحدُهما الإبلَ، وطَلَبَ الآخَرُ البقَرَ، قال: «فأُعْطِيَ ناقةً عُشَرَاءَ»، وهي الحاملُ التي أتَى عليها في حمْلِها عشَرةُ أشهُرٍ مِن يومِ طَرَقَها الفحْلُ، وهي مِن أنفَسِ الإبلِ، ودَعا له بأنْ يُبارِكَ اللهُ له فيها، فتَتكاثَرَ ويَزدادَ خَيرُها، ويَعظُمَ نَفْعُها.
وأمَّا الثَّاني: فهو رَجُلٌ أقْرَعُ ذهَبَ شَعرُ رَأسِه، جاءهُ المَلَكُ في صُورةِ إنسانٍ، فسَأَلَه كما سَأَلَ صاحِبَهُ الأوَّلَ: أيُّ شَيْءٍ أحبُّ إليكَ؟ فتَمنَّى أنْ يَعودَ إليهِ شَعرُ رأسِهِ في جَمالِه، وأنْ يُذهِبَ اللهُ عنه القَرَعَ، وعلَّل ذلك بقَولِه: «قدْ قَذِرَني النَّاسُ»، أي: اشْمَأزُّوا مِنِّي وكَرِهوني. فَمسَحَهُ الملَكُ بيَدِه، فذَهَبَ ما به، وأُعْطِيَ شَعرًا حَسَنًا. ثمَّ سأَلَه الملَكُ عن أحبِّ أصنافِ المالِ إليه، فقال: البقرُ، فَأُعْطِيَ بَقرةً حامِلًا، ودَعا له بأنْ يُبارِكَ اللهُ له فيها، فتَتكاثَرَ ويَزدادَ خَيرُها، ويَعظُمَ نَفْعُها.
وأمَّا الرَّجُلُ الثَّالِثُ: فهو رَجُلٌ أعْمَى، فجاءهُ المَلَكُ على صُورةِ إنسانٍ، فسَأَلَه عنْ أحبِّ شَيءٍ إليه، فقال: أنْ يَعودَ إليَّ بَصَري، فَمسَحَهُ المَلَكُ بيَدِه، فرَدَّ اللهُ إليه بَصَرَه. ثمَّ سَأَله عن أحبِّ أصنافِ المالِ إليه، فقال: الغَنَمُ، فَأعطاهُ شاةً والِدًا، أي: ذاتَ وَلَدٍ، ويُقالُ: حامِلٌ.
وقدْ بارَكَ اللهُ تعالَى لهَؤلاءِ الثَّلاثةِ؛ «فَأُنْتِجَ هذانِ»، أي: صاحبُ الإبلِ وصاحبِ البقَرِ، «وَوَلَّدَ هذا»، أي: صاحبُ الشَّاةِ، وقدْ راعى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في استخدامِ الألفاظِ عُرْفَ الاستعمالِ، حيث قال في الإبلِ والبقَرِ: «أُنتِجَ» بالبِناءِ للمَجهولِ، وقال في الشَّاةِ: «ولَّدَ» بتَشديدِ اللَّامِ، وهكذا العرَبُ تقولُ. فكان للأوَّلِ مِلْءُ وادٍ مِن إبِلٍ، وللثَّاني مِلْءُ وادٍ منْ بَقَرٍ، وللثَّالثِ مِلْءُ وادٍ مِن غَنَمٍ.
ثمَّ جاء الاختبارُ، فأرسَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ الملَكَ للأبرَصِ الَّذي مَسَحَه مِن قبْلُ فذَهَبَ بَرَصُه، في صُورةِ رجُلٍ أبرَصَ فَقيرٍ، فقال للأبرَصِ مُمتحِنًا له بعْدَ أنْ مَنَّ اللهُ عليه بدَوامِ الشِّفاءِ والغِنى: أنا رَجُلٌ مِسْكِينٌ، تَقطَّعَتْ بيَ الحِبالُ، أي: حِبالُ الآمالِ، وسُدَّتْ أمامي أبوابُ المَعِيشةِ وأسبابُ الرِّزْقِ، فلا بَلاغَ اليومَ إلَّا بالله ثُمَّ بكَ، أي: فلا أحدَ يُعِينُني على تَفريجِ كُرْبَتي إلَّا اللهُ، ثُمَّ أنتَ، أسْألُكَ مُقسِمًا عليك، أو مُتوسِّلًا إليك بالَّذي أعطاكَ اللَّوْنَ الحَسَنَ والجِلْدَ الحَسَنَ والمالَ؛ أنْ تُعطِيَني بَعِيرًا «أتَبَلَّغُ به»، أي: يُوَصِلُني إلى بَلَدي. فرَفَضَ وأخْبَرَه أنَّ النَّفقاتِ الَّتي يَلتزِمُ بها كَثيرةٌ، فقال له الملَكُ: إنِّي أعرِفُك؛ ألمْ تَكُنْ أبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ، فَقيرًا لا مالَ عندك، فأعْطاكَ اللهُ الصِّحَّةَ والمالَ؟ فكذَبَ وجَحَدَ نِعمةَ اللهِ عليه، وقال: لقدْ وَرِثْتُ لِكابِرٍ عن كابِرٍ، أي: وَرِثْتُ هذا الغِنى والعِزَّ والشَّرفَ أبًا عن جَدٍّ، حالَ كَونِ كلِّ واحدٍ منهم كَبيرًا، وَرِثَ عن كَبيرٍ. فقال له الملَكُ: إنْ كُنْتَ كاذِبًا فَصَيَّركَ اللهُ إلى ما كُنْتَ عليه مِن داءِ البَرَصِ والفَقْرِ.
وجاء الملَكُ إلى الرَّجلِ الأقْرَعِ في صُورةِ رجُلٍ أقرَعَ فَقيرٍ، ودارَ بيْنهما مِثلُ ما دارَ بيْن الملَكِ والأبْرَصِ.
وجاء الملَكُ إلى الرَّجلِ الأعْمى في صُورةِ رجُلٍ أعْمى فَقيرٍ، فقال له المَلَكُ مِثْلَ ما قال لِصاحِبَيه الأبرَصِ والأقرَعِ، ولَكنَّ الأعْمى لمْ يَكُنْ مِثلَ صاحِبَيْهِ كافِرًا بالنِّعمةِ، حيث أقَرَّ بنِعمةِ اللهِ تعالَى عليه، ولم يَبخَلْ بها، فقال: قدْ كُنْتُ أعْمى فرَدَّ اللهُ إلَيَّ بَصَري، وفَقيرًا فأغْناني، فَخُذْ ما شِئْتَ مِن المالِ، فَوَاللهِ لا أجْهَدُكَ اليومَ بشَيءٍ، أي: لا أشُقُّ عليكَ بِرَدِّ شَيءٍ تَطلُبهُ مِنِّي، فقال له الملَكُ: أمْسِكْ عليك مالَكَ؛ فإنَّما ابتُليتُم وامْتُحِنْتُمْ، وقدْ رَضِيَ اللهُ عنكَ؛ لأنَّكَ شَكَرْتَ نِعمةَ اللهِ وأدَّيْتَ حَقَّها عليكَ، وسَخِطَ على صاحِبَيْكَ؛ لأنَّهما كَفَرا بِنعمةِ اللهِ سُبحانَه.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن كُفْرانِ النِّعَمِ.
وفيه: تَذكيرُ الإنسانِ بِحالتِهِ السَّيِّئةِ الَّتي كان عليها إذا كان ذلكَ لِنُصْحِهِ ودَعْوَتِهِ لِشُكرِ اللهِ تعالَى.
وفيه: الحثُّ على الصَّدقةِ، والرِّفْقِ بالضُّعفاءِ، ومَدِّ يَدِ المَعونةِ لهم.
وفيه: أنَّ على الإنسانِ أنْ يَذكُرَ إذا صار في نِعمةٍ ما كان عليه سابِقًا مِن فَقْرٍ أو مَرَضٍ أو عاهَةٍ؛ لأنَّ ذلكَ يَدْفَعُه لمَزيدِ الشُّكرِ والامْتِنانِ.
وفيه: الزَّجْرُ عنِ البُخْلِ، والتَّحذيرُ مِن عَواقِبِه السَّيِّئةِ.
وفيه: أهمِّيَّةُ القَصَصُ وما فيه مِن مَواعِظَ وعِبَرٍ.
وفيه: أنَّ الصَّبرَ على البَلاءِ قدْ يَكونُ خَيرًا للمُبْتَلى مِن زَوالِهِ.