حديث أبي ثعلبة الخشني 10
مستند احمد
حدثنا زكريا بن عدي، قال: أخبرنا بقية، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي ثعلبة الخشني أنه حدثهم، قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، والناس جياع، فأصبنا بها حمرا من حمر الإنس، فذبحناها، قال: فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأمر عبد الرحمن بن عوف، فنادى في الناس: «أن لحوم حمر الإنسية لا تحل لمن شهد أني رسول الله» ، قال: ووجدنا في جنانها بصلا وثوما، والناس جياع، فجهدوا فراحوا، فإذا ريح المسجد بصل وثوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أكل من هذه البقلة الخبيثة، فلا يقربنا»
حرَصَ الشَّرْعُ الإسلاميُّ المُطهَّرُ على المُحافَظةِ على حُقوقِ النَّاسِ، ومن ذلِكَ: الحُقوقُ الماليَّةُ؛ فَنهى عن كُلِّ ما يُؤخَذُ منها بغيرِ حَقٍّ أو بغَيرِ طِيبِ نَفْسٍ من صاحِبِها، وكذلِكَ حرَصَ على الطَّيِّبِ مِن المَطعَمِ، ونهَى عن الخَبيثِ مِنه
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو ثَعْلبةَ الخُشَنيُّ رضِيَ اللهُ عنه: "غَزَوتُ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيبَرَ"، وكانت في السَّنةِ السَّابِعةِ مِنَ الهِجرةِ، وفيها غَزا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اليَهودَ، وخَيبَرُ: قَرْيةٌ تَبعُدُ عن المدينةِ 165 مِيلًا (265 كم) على طَريقِ الشَّامِ، "والنَّاسُ جِياعٌ"، ويَقصِدُ الصَّحابةَ الَّذين خَرَجوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تِلك الغَزْوةِ، "فأصَبْنا بها" وَجَدْنا فيها "حُمُرًا من حُمُرِ الإنْسِ"، وهي الحُمُرُ الَّتي يَستعمِلُها النَّاسُ في رُكوبِهم وأَحْمالِهم، ويُقالُ لها: الحُمُرُ الأهْليَّةُ، "فذَبَحْناها" للأكْلِ ولسَدِّ جُوعِهم، وذلِكَ قَبلَ أنْ يَعلَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ لِكَونِهِ في آخِرِ الجَيشِ كما جاءَ في الرِّواياتِ، "فأُخبِرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" فعَلِمَ بفِعلِ أصْحابِهِ وذَبْحِهم وطَبْخِهم لِلَحمِ الحُمُرِ الإنْسيَّةِ، "فأمَرَ عبدَ الرحمنِ بنَ عَوفٍ، فنادَى في النَّاسِ" رافِعًا صَوتَهُ؛ لِيَعلَموا فقالَ: "إنَّ لُحومَ الحُمُرِ الإنْسيَّةِ لا تَحِلُّ لِمَن شَهِدَ أنِّي رَسولُ اللهِ"، فأخبَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحُرمَتِها، وقد أمَرَهم بإهْراقِها وإفْراغِ الآنيةِ ممَّا طُبِخَ فيها من لُحومِ الحُمُرِ، وهذا التَّحْريمُ خاصٌّ بالحُمُرِ الإنْسيَّةِ، أمَّا الوَحْشيَّةُ فأكْلُها مُباحٌ
قال أبو ثَعْلبةَ رضِيَ اللهُ عنه: "ووَجَدْنا في جِنانِها" يَقصِدُ: في بَساتينِ خَيبَرَ، وكانت مَزْروعةً: "بَصَلًا وثُومًا، والنَّاسُ جِياعٌ، فجَهَدوا"، فأكَلوا أكْلًا شَديدًا من البَصَلِ والثُّومِ "فراحوا" أصبحتْ لهم رَائحةٌ كَريهةٌ "فإذا رِيحُ المَسجِدِ بَصَلٌ وثُومٌ"؛ وذلِكَ من أثَرِ ما أكَلوهُ من تِلك البُقولِ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "مَن أكَلَ مِن هذه البَقْلةِ الخَبيثةِ، فلا يَقرَبَنَّا"، والمُرادُ: لا يَأتِنا في المَسجِدِ، وسمَّاها خَبيثَةً لقُبْحِ رائحَتِها، وهذا فيمَنْ أكَلَ ذلِكَ نِيِئًا، فأمَّا مَن أكَلَهُ بعدَ الإنْضاجِ بالنَّارِ فلا مَنْعَ فيه لذَهابِ رِيحِهِ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا تَحِلُّ النُّهْبى"، وهي المالُ المَنْهوبُ، والمُرادُ: المأخوذُ من المُسلِمِ أو الذِّمِّيِّ أو المُستأمَنُ قَهْرًا، "ولا يَحِلُّ كُلُّ ذي نابٍ من السِّباعِ"، والنَّابُ واحِدُ الأنْيابِ، وهي ممَّا يلي الرُّباعيَّاتِ من الإنسانِ، والمَقْصودُ بذلِكَ أنَّه لا يحِلُّ أكْلُ الحَيواناتِ الضَّاريَةِ المُفترِسةِ، وأرادَ بكُلِّ ذي نابٍ: ما يَعْدو بنابِهِ على النَّاسِ وأمْوالِهم، كالذِّئبِ والأسَدِ والكَلْبِ، ونَحْوِها، "ولا تَحِلُّ المُجثَّمةُ"، وهي الحَيَواناتُ الَّتي تُحبَسُ وتُمنَعُ من الحَرَكةِ وتُجعَلُ هَدَفًا، وتُرمَى بالنَّبلِ حتى تموتَ، وهي تَكثُرُ في الطَّيرِ، والأرانبِ، وأشْباهِ ذلِكَ، ممَّا يَجْثِمُ فِي الأرْضِ، أي: يلزمُها، ويَلتصِقُ بها، والمُرادُ: أنَّها ميتَةٌ لا يحِلُّ أكْلُها